النهي لا يقتضي بمجرده الدوام والتكرار، قال به أيضاً إذا علق بما يتكرر، وقيل يتكرر، قال وهو آكد من مطلقه، وهو الصحيح بخلاف الأمر.
قلت للشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يوماً إن القائل بأن النهي لا يقتضي التكرار يلزمه أن لا يوجد عاص البتة في الدنيا بمنهي، وذلك أن النهي عنده لا يقتضي إلا مطلق الترك كما أن الأمر لا يقتضي إلا مطلق الفعل، فكما يخرج عن عهدة الأمر فعل ما في زمن ما، كذلك يخرج عن عهدة النهي بمطلق الترك في زمن ما، وأشد الناس عصياناً وفسوقاً لا بد أن يترك تلك المعصية في زمن ما فيخرج عن عهدة النهي بذلك الزمن الفرد، فلا يكون عاصياً أبداً، وما رأينا أحداً في العالم واظب على معصية فلم يفتر عنها إلى أن مات، بل لا بد من فترات ولو لضرورات الحياة من النوم والاغتداء وغير ذلك، فلزم السؤال.
قال لي - رحمه الله - هذه المسألة تتخرج على قاعدة، وهي أن القاعدة أنه قد يكون
عام في مطلق، نحو أكرم الناس كلهم في يوم، أو مطلق في عام نحو أكرم زيداً في جميع الأيام، أو عام في عام نحو أكرم الناس في جميع الأيام، أو مطلق في مطلق نحو أكرم رجلاً في يوم، إذا تقررت هذه القاعدة فالقائل بأن النهي يقتضي التكرار يقول هو عموم في عموم أمر بجميع التروك في جميع الأزمان، والذي يقول النهي لا يقتضي التكرار يقول المطلوب ترك واحد في جميع الأزمان [فهو مطلق في عام](١) فلا يجوز أن يلابس المنهي عنه في زمن ما فيتحقق العصيان حينئذ بملابسة المنهي متى وقعت، فهذه صورة هذه المسألة.
ثم بعد وفاته - رحمه الله - رأيت أن هذا الجواب لا يتم لوجهين.
أحدهما: أن هذا التقدير يقتضي أن لا يتحقق مذهب القائل أنه يقتضي التكرار بسبب أن القائل بالتكرار لا يمكن أن يقول بجمع بين تركين في زمن