ولقائل أن يقول إنّما يكون إقراراً أن لو لم يتصل به كلام لا يستقل بنفسه، وعادة العرب أنها معه تمنع اعتبار ما تقدم عليه إلاّ به، وكذلك الشرط والغاية والصفة، وقد تقدم تقريرهن فما تقدم إقرار حينئذ.
وثاينها: أن العرب اعتبرت القرب فيما يعود عليه فهما كذلك.
بيان الأوّل اتفاق البصريين فيما إذا اجتمع على المعمول الواحد عاملان؛ أن القريب يقدم نحو أكرمت وأكرمني زيد، وكذلك أكرم زيد عمراً وأكرمته، يتعين عود الضمير على عمرو، وإذا قلت أكرمت سلمى سعدى أن الفاعل سلمى لقربها لعدم ظهور الإعراب المرجح (١) وكذلك أعطى زيد عمراً بكراً، قالوا الأقرب للفعل الفاعل الآخذ لبكر وهو مفعول في اللفظ، فهذه أربعة أوجه دالة على اعتبار القرب.
بيان الثاني عملاً بالمناسبة التي ظهر اعتبارها.
وثالثها: أن الاستثناء لو عاد على جميع الجمل فإما أن يضمر عقيب كلّ جملة استثناء أو لا. الأوّل يلزم كثرة الإضمار وهو خلاف الأصل. والثاني يقتضي اجتماع عوامل كثيرة على معمول واحد. وسيبويه يمنعه.
ولقائل أن يقول على هذا الوجه: إن سيبويه يرى أن العامل في الاستثناء انتصابه عن تمام الكلام كالتمييز، ولا يعمل الفعل السابق، وفيه مذاهب ومباحث مذكورة في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء.
حجة الشريف على الاشتراك وجوه: أحدها أنه إذا قال أكرمت جيراني وكسوت غلماني قائماً وفي الدار ويوم الجمعة، لم يفهم عود الحال والظرفين على الأوّل والثانية ولا يختص بإحداهما عيناً.
وجوابه: منع ذلك بل يختص بالأخيرة.
وثانيها: حسن الاستفهام في الاستثناء عقيب الجمل وهو دليل الاشتراك.
وجوابه: أن الاستفهام أعم من الاشتراك بل قد يكون لرفع المجاز أو لإبعاده أو لاهتمام المتكلم بالكلام، وقد تقدم تقريره.
(١) أما مثال ظهور المرجح: أكل الكمثرى عيسى فعيسى هنا هو الفاعل.