فإن الناس اختلفوا في تحريم الضرب مثلاً في تلك الآية (١) هل هو ثابت بالقياس على تحريم التأفيف بطريق الأولى، أو هو بدلالة اللفظ عليه التزاماً بالقياس، وإن كانت دلالة التزام صح النسخ بها، أو قياساً صح النسخ بها، لأنه حكم مناقض لحكم متقدم، فصح النسخ كسائر ما يجوز به النسخ، نعم يشترط في المنسوخ به أن يكون مثله في السند أو أخفض رتبة.
مسألة: قال الإمام فخر الدين في المحصول نسخ القياس إن كان في حياته عليه الصلاة والسلام فلا يمتنع رفعه بالنص وبالإجماع وبالقياس، بأن ينص - عليه السلام - في
الفروع، بخلاف حكم القياس بعد استقرار التعبد بالقياس، وأما بالإجماع فلأنه إذا اختلفت الأمة على قولين قياساً، ثم أجمعوا على أحد القولين، كان إجماعهم رافعاً لحكم القياس المقتضي للقول الآخر، وأما بالقياس فبأن ينص في صورة بخلاف ذلك الحكم ويجعله معللاً بعلة موجودة في ذلك الفرع، وتكون أمارة عليتها أقوى من أمارة علة الوصف للحكم الأوّل في الأصل الأوّل.
وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإنه يجوز نسخه في المعنى وإن كان لا يسمى نسخاً في اللفظ، كما إذا أفتى مجتهد بالقياس ثم ظفر بالنص أو بالإجماع أو بالقياس المخالف للأول، فإن قلنا كلّ مجتهد مصيب كان هذا الوجدان ناسخاً لقياسه الأوّل، وإن قلنا المصيب واحد لم يكن القياس الأوّل متعبداً به، وأما كون القياس ناسخاً فيمتنع في الكتاب والسنة والإجماع، لأن تقدمها يبطله، وأما القياس فقد تقدم القول فيه.
والعقل يكون ناسخاً في حق سقطت رجلاه فإن الوجوب ساقط عنه، قاله الإمام.
هذا ليس نسخاً فإن بقاء المحل شرط، وعدم الحكم لعدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه ليس نسخاً وإلا كان النسخ واقعاً طول الزمان لطريان الأسباب وعدمها.
(١) في قوله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقلبات الأحوال لهما أفٍ ولا تنهرهما. .» .