فإن هذا العموم رافع للمفهوم المتقدم فيكون نسخاً، فإنه ما هو ثابت بدليل شرعي وهو الشرط أو المفهوم، وهذا التفريق مبني على أن النفي الأصلي قد تقرر بمفهوم الشرط ومفهوم الصفة، وأن تقرير النفي الأصلي حكم شرعي، وليس كذلك، لأن الله تعالى لو
قال لا أشرع لكم في هذه السنة حكماً ولا أكلفكم بشيء، لم يكن لله تعالى فيه هذه السنة شريعة عملاً بتنصيصه تعالى على ذلك، مع أنه تعالى قد قرر النفي الأصلي، وكذلك لما قرر رفع التكليف عن المجنون والنائم وغيرهما لم يكن ذلك حكماً شرعياً بل إخبار عن عدم الحكم. والجنوح إلى مفهوم الصفة هو قول القاضي عبد الجبار، وهو مع تدقيقه قد فاته هذا الموضع.
ومثال ما لا يجزئ بعد الزيادة أن الصلاة فرضت مثنى مثنى كما جاء في الحديث، فلما زيد في صلاة الحضر ركعتان، بقيت الركعتان الأوليان لا يجزئان بدون هذه الزيادة، ومثال ما يجزئ منفرداً بعد الزيادة زيادة التغريب بعد الجلد؛ فإن الإمام لو اقتصر على الجلد واستفتى بعد ذلك، فقيل له لا بد من التغريب، فإنه لا يحتاج إلى إعادة الجلد مرة أخرى، بخلاف المصلي يحتاج إلى إعادة الجميع، ووجه الفرق على هذا المذهب أن الأصل إذا لم يجز بعد الزيادة اشتد التغيير فكان نسخاً، بخلاف القسم الآخر، التغيير فيه قليل.
وأما عن أصلنا فهذه الصور كلها ليست نسخاً، أما التغريب فلأنه رافع لعدم وجوبه، وعدم الوجوب حكم عقلي، ورافع الحكم العقلي ليس نسخاً. وتقييد الرقبة بالإيمان رافع لعدم لزوم تحصيل الإيمان فيها، وذلك حكم عقلي، وإباحة قطع السارق في الثانية ليست نسخاً، لأنه رافع لعدم الإباحة وهو حكم عقلي فلا يكون نسخاً.
فإن قلت: الآدمي أجزاؤه محرمة مطلقاً، وهذا التحريم حكم شرعي فيكون نسخاً لما رفع.
قلت: لنا هنا مقامان أحدهما أن ندعي أن الأصل في الآدمي وغيره عدم الحكم لا تحريم ولا إباحة؛ لأن الأصل في أجزاء العالم كلها عدم الحكم حتى وردت الشرائع، كما تقرر أنه لا حكم للأشياء قبل الشرائع، فعلى هذا الإباحة