قال الإمام فخر الدين في المحصول إحداث القول الثالث غير جائز عند الأكثرين.
والحق أنه إن لزم منه الخروج عما أجمعوا عليه امتنع وإلا جاز فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاً، والتفصيل.
احتج المانعون بأن الأمة أجمعت قبل الثالث على الأخذ بهذا القول، أو بهذا القول،
فالأخذ بالثالث خارق للإجماع، ولأن الحق لا يفوت الأمة، فلا يكون الثالث حقاً، وإلا لما فاتهم، فيكون باطلاً قطعاً وهو المطلوب.
ويرد على الأوّل أن الإجماع الأوّل مشروط بأن لا يجمعوا على أحدهما وقد أجمعوا ففات الشرط (١) .
فإن قلت، يلزمك ذلك في القول الواحد إذا أجمعوا عليه، فجاز أن يقال امتنع مخالفته بشرط أن لا يذهب أحد إلى خلافه.
قلت: لو كان الأوّل مشروطاً لما كان هذا مشروطاً، بسبب أن القول الواحد تعينت فيه المصلحة، فلا معنى للشرطية، بخلاف القولين لم يتعين المصلحة في أحدهما عيناً، ولم يقل بكل واحد منهما إلاّ بعض الأمة وبعض الأمة غير معصوم. وعن الثاني: لا نسلم تعيين الحق في قول الأمة إلاّ إذا اتفقت كلها على قول، أما مع الاختلاف فممنوع، فظهر بهذه الأجوبة حجة الجواز.
مثال التفصيل: اختلفت الأمة على قولين: هذا الجد يقاسم الأخوة أو يكون المال كله له؟ فالقول الثالث بأن الأخوة يحوزون المال كله خلاف الإجماع، فالقول الثالث مبطل لما أجمعوا عليه، فيكون باطلاً، لأن الحق لا يفوتهم، هذا قول الإمام فخر الدين وتمثيله.
وقال ابن حزم في المحلى: إن بعضهم قال المال كله للأخوة تغليباً للبنوة على الأبوة فلا يصح على هذا ما قاله الإمام من الإجماع.
(١) في نسخة: مشروط بأن لم يقولوا بأنه ثابت وقد قالوا به ففات الشرط.