وأما وجه الفرق بين الحاضرات والماضيات فلأن الماضيات غائبة عن الحس فيتطرق إليها احتمال الخطأ والنسيان؛ وذلك أن الدول المتقادمة لم يبق عندنا شيء من أحوالها وأما الحاضرات فمعضودة بالحس فيبعد تطرق الخطأ إليها.
والجواب: أن حصول الفرق لا يمنع من الاشتراك في الحكم وقد بيناه فيما تقدم، كما تقول زيد فقيه وهو حيوان وعمرو ليس بفقيه، لا يلزم أن لا يكون عمرو حيواناً لوجود الفرق.
والعلم الحاصل منه ضروري عند الجمهور خلافاً لأبي الحسين البصري وإمام الحرمين والغزالي.
حجة الجمهور أنا نجد العلم التواتري حاصل للصبيان والنسوان ومن ليس له أهلية للنظر فلو أنه نظري لما حصل إلاّ لمن له أهلية النظر.
حجة الفريق الآخر أنا نعلم بالضرورة أن المخبرين إذا توهم السامع أنهم متهمون فيما أخبروا به لا يحصل له العلم، وإذا لم يتوهم ذلك حصل له العلم، وإذا علم أنهم من أهل الديانة والصدق حصل له العلم بالعدد اليسير منهم، وإذا لم يحصل له العلم بأنهم
كذلك بل بالضد لم يحصل العلم بأخبار الكثير منهم، وإذا كان العلم يتوقف حصوله على ثبوت أسباب وانتفاء موانع، فلا بد من النظر في حصول تلك الأسباب وانتفاء تلك الموانع هل حصلت كلها أو بعضها فيكون العلم الحاصل عقيب التواتر نظرياً لتوقفه على النظر.
والجواب: أن ذلك صحيح لكن تلك المقدمات الحاصلة في أوائل الفطرة، والعلم لا يحتاج إلى كبير تأمل ولا يقال للعلم إنه نظري إلاّ إذا لم يحصل إلاّ لمن له أهلية النظر، وقد بينا أن الأمر ليس كذلك.
والأربعة لا تفيد العلم قاله القاضي أبو بكر وتوقف في الخامسة.
قال الإمام فخرا لدين: والحق أن عددهم غير محصور وخلافاً لمن حصرهم