بحسب الإمكان فإن خيرناه بينهما فقد أعملنا الدليل الشرعي من حيث الجملة، بخلاف إذا قلنا بالتساقط فإنه إلغاء بالكلية.
حجة التساقط: أنا إن خيرناه فقد أعملنا دليل الإباحة، والتقدير أنها متساوية لأمارة الحظر فيلزم الترجيح من غير مرجح، ولأنهما إذا تعارضا لم يحصل في نفس المجتهد ظن، وإذا فقد الظن والعلم حرمت الفتيا.
والجواب عن الأول: أنا لا نسلم أنه ترجيح لأمارة الإباحة
من حيث هي أمارة إباحة بل هذا التخيير نشأ عن التساوي لا عن أمارة الإباحة، وقد يشترك المختلفان في لازم واحد، ولم يلزم الترجيح من غير مرجح. وعن الثاني: أن اعتبار ظن أحدهما عيناً منفي أما ظن التخيير الناشئ عن التساوي فلا نسلم أنه غير حاصل. وقول الإمام هذا متعذر في حكمين في فعل وحد ليس كما قال، بل المتعذر ثبوت حكمين لفعل واحد من وجه واحد، أما ثبوتهما له من وجهين فليس كذلك، كالصلاة في الدار المغصوبة حرام وواجبة، وأيسر من ذلك تعارض الأمارتين فإنا لم نقل بمقتضاها بل قلنا اقتضيا حكمين متعارضين، فلو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضى والمانع في جميع صور الشريعة وليس كذلك، فلا محال حينئذ. ومثاله في حكم واحد في فعلين أن تدل أمارة على أن القبلة في استقبال جهة وأمارة أخرى على أنها ف ي استدبار تلك الجهة، فالاستقبال والاستدبار فعلان وحكمهما واحد وهو وجوب التوجه فيخير بين الجهتين كما قاله الإمام.
ورجح سيف الدين الآمدي الحظر على الإباحة عند التعارض بثلاثة أوجه: أحدها أن الحظر إنما يكون التضمن المفاسد ورعاية الشارع، والعقلاء بدرء المفاسد أعظم من رعايتهم لتحصل المصالح فيقدم الحظر عنده على الواجب والمندوب والمباح. وثانيها أن القول بترجيح الحضر يقتضي موافقة الأصل، فإن موجبه عدم الفعل وعدم الفعل هو الأصل، أما الوجوب ونحوه فموجبه الفعل وهو خلاف الأصل. وثالثها أن الحظر يخرج الإنسان عن عهدته وإن لم يشعر به فهو أهون وأقرب للأصول، بخلاف الوجوب ونحوه لا بد فيه من الشعور حتى يخرج عن العهدة فهذه، ترجيحات غير تلك الأصول المتقدمة.
وإذا نقل عن مجتهد قولان فإن كانا في موضعين وعلم التاريخ عد الثاني رجوعاً عن الأول، وإن لم يعلم حكى عنه القولان ولا يحكم عليه