واختلفوا أيضاً هل ينقض قضاء القاضي إذا قضى بخلافه قاله الأصم خلافاً للباقين، والمنقول عن مالك رحمه الله أن المصيب واحد واختاره الإمام، وقال الإمام علي عليه دليل ظني ومخالفه معذور والقضاء لا ينقض، لنا أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في النقيضين فيتحد الحكم: احتجوا بانعقاد الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يتبع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلده، ولا نعني بحكم الله تعالى إلاّ ذلك فكل مجتهد مصيب وتكون ظنون المجتهدين تتبعها الأحكام كأحوال المضطرين والمختارين بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة إلى شخصين كالميتة.
حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين إذا بذل جهده فقد فنيت قدرته فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليف بما لا يطلق وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى:«لا يكلف الله نفساً إلها وسعها»(١) .
حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري وذلك أعظم الإكراه، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة اعتبر في ظاهر الشرع وغيره لو وقع بهذه الأسباب لم يعتبر، ولذلك لم يعذره الله بالجهل في أصول الدين إجماعاً، ولو شرب خمراً يظنه حلالاً أو وطئ أمرأة يظنها امرأته عذر بالجهل، وكذلك جعل النظر الأوّل واجباً من الجهل بالموجب وذلك تكليف ما لا يطاق، فكذلك إذا حصل الكفر مع بذل الجهد يؤاخذ الله تعالى به ولا ينفعه بذل جهده لعظم خطر الباب وجلالة رتبته، وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحاً فإن له نار جهنم خالداً فيها، وقياس الخصم الأصول على الفروع غلط لعظم التفاوت بينهما، وإذا قلنا ليس لله تعالى في نفس الأمر حكم معين فليس هناك إلاّ ما ظهر في ظنون المجتهدين فقد أصابوه، فكل مجتهد مصيب، أي إذا أفتى بشيء فقد أصابه أما لو انتهى به الحال للوقف فتمادى مهلة النظر فلا يقال له