للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستقبل باعتبار ذلك الزمان، وإذا كان كذلك وجب حينئذ أن يكون جميع الصفات الواقعة في زماننا مجازاً بالقياس إلى ذلك الزمان، فعلى هذا قوله تعالى

«الزانية والزاني (١) » «السارق والسارقة (٢) » «واقتلوا المشركين (٣) » إلى غير ذلك إنا يتناول من وجد في حالة نزول هذه الآيات وأما ما بعدها فلا يتناولها إلى بطريقة المجاز، والأصل عدمه، فيتعذر علينا الاستدلال بهذه الأدلة في زماننا على ثبوت أحكام هذه الآيات بها فإن ما من نص يستدل به غلا وللمخالف أن يقول الأصل عدم التجوز على هذه الصورة، فيحتاج كل دليل إلى دليل آخر من إجماع أو نص يدل على التجوز إلى هذه الصورة، وهو خلاف ما عليه الناس، بل كل لفظ من هذه الألفاظ يتم الاستدلال به من جهة اللغة فقط وهو حقيقة، فكيف الجمع بين ما عليه الناس وبين هذه القاعدة.

ووجه الجمع أن تقول: المشتق قسمان تارة يكون محكوماً به نحو زيد سارق فهذا هو موطن التقسيم والقاعدة المذكورة، وتارة يكون المشتق متعلق الحكم لا محكوماً به نحو «اقتلوا المشركين (٤) » فإن الله تعالى لم يحكم في هذه الآية بشرك أحد ولا بأن أحداً مشرك بل حكم بوجوب القتل، والمشركون متعلق هذا الحكم، وكذلك الزانية والزاني لم يحكم الله تعالى بزنا أحد ولا بسرقته في الآية الأخرى، بل بوجوب الجلد والقطع، والزناة والسراق متعلق هذا الحكم؛ فحينئذ متى كان هو المشتق متعلق الحكم فهو حقيقة مطلقاً، ولا تفصيل بين الأزمنة ماضيها ومستقبلها، ولا نحكي خلافاً بل الكل حقيقة إجماعاً، وإن حكمنا بالمشتق على محل وجعلناه نفس الحكم فهذا هو موطن الخلاف والتفصيل. فهذا وجه الجمع بين القاعدة وإجماع الأمة؛ فلذلك ذكرت هذا القيد وهو من غوامض القواعد.


(١) منا لآية ٢ النور وتمامها: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.
(٢) رقم ٣٨ المائدة. وتمامها «. . فاقطعوا أيديهما. .» .
(٣) التوبة.
(٤) التوبة.

<<  <   >  >>