للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم استقراء الشريعة يقتضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة، ولو قلَّت على البعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة وإن قلت على البعد ولو في الكفر فإن فيه تعظيم أهله وعصابته لمن شايعهم وعداوة أهل الحق له وطلب دمه وماله. وكذلك تقول في الإيمان، وإذا كان هذا في أعظم الأشياء مصلحة وأعظمها مفسدة فما ظنك بغيرهما، وقد قال الله تعالى في الخمر والميسر «قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما» (١) ، وعلى هذا ما في الشريعة حكم إلا وهو مع المانع الشرعي، لأنه لا يمكن أن يراد بالمانع ما سلم عن المعارض الراجح، فإن أكل الميتة وغيره وجد فيه معارض راجح على مفسدة الميتة، فحينئذ ما المراد إلا المانع المغمور بالراجح المعارض له، وحينئذ تندرج جميع الشريعة لأن كل حكم فيه مانع مغمور لمعارضته لما تقدم.

والذي تقرر عليه حالي في شرح المحصول وهنا أني عاجز عن ضبط الرخصة بحد جامع مانع، أما جزئيات الرخصة من غير تحديد فلا عسر فيه إنما الصعوبة فيه الحد على ذلك الوجه، وقولي وقد لا يباح سببها كالغصة لشرب الخمر، أريد أنه لا يباح لأحد أن

يغص نفسه حتى يشرب الخمر ولا لغير شرب الخمر، بل الغصة حرام مطلقا.

وقال في المحصول: العزيمة هي جواز الإقدام مع عدم المانع.

فيرد عليه أن أكل الطيبات ولبس الثياب من العزائم لأنه يجوز الإقدام عليها، وليس فيها مانع على زعمه في المانع، ولا يمكن أن تكون من العزائم؛ فإن العزائم مأخوذة من العزم وهو الطلب المؤكد فيه، ولا طلب في هذه الأمور فلذلك زدت في حدي: طلب الفعل مع عدم اشتهار المانع الشرعي، فقيد الطلب ليخرج أكل الطيبات ونحوها، وعدم اشتهار المانع احتراز من الرخصة إذا طلبت كأكل المضطر الميتة وقصدت بأصل الطلب (٢) ولم أعين الوجوب لأن المالكية قالوا إن السجدات المندوب السجود عند تلاوتها عزائم، فقالوا عزائم القرآن إحدى عشرة سجدة، فذكرت الطلب ليندرج المندوب والواجب.


(١) ٢١٩ البقرة.
(٢) الأولى أن يكون: وقصدت أصل الطلب بحذف الباء.

<<  <   >  >>