للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فائدة: الاستدلال بقوله تعالى «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» (١) لا يتم إلا بمقدمتين؛ فإنه لا يلزم من نفي التعذيب نفي التكليف، لاحتمال أن يكون المكلف أطاع فلا تعذيب حينئذ، مع أن التكليف واقع، أو يكون عصى، غير أن العذاب قد تأخر إلى بعد البعثة، كما تأخر عن بعد البعثة إلى يوم القيامة، فلا بد من مقدمتين وهما قولنا

كلفوا قبل البعثة لتركوا عملاً بالغالب، فإن الغالب على العالم العصيان لقوله تعالى «وما وجدنا لأكثرهم من عهد» (٢) وقوله تعالى «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله» (٣) فهذه إحدى المقدمتين، الثانية أنهم لو تركوا لعوقبوا عملاً بالأصل، لأن الأصل ترتيب المسبب على سببه، والعصيان سبب العقوبة فيترتب عليه فتنتظم ملازمتان هكذا: لو كلفوا لتركوا، ولو تركوا لعذبوا؛ فالعذاب لازم التكليف ولازم اللازم لازم، فانتفاء اللازم الأخير يقتضي انتفاء الملزوم الأول، كما أن انتفاء شرط الشرط يقتضي انتفاء المشروط، فلذلك يلزم من انتفاء العذاب قبل البعثة انتفاء التكليف قبل البعثة، وهو معنى قولي: نفي التعذيب قبل البعثة فينتفي ملزومه.

ومعنى قولي محل الضرورة مورد الطباع، وليس محل النزاع أن العقل إنما أنما أدرك حسن الإحسان من جهة أنه ملائم للطبع لا من جهة أنه يثاب عليه، وقبح الإساءة من جهة منافرتها للطبع لا من جهة أنه يعاقب عليها، والضرورة حينئذ إنما هي في مورد الطباع الذي هو الملاءمة والمنافرة، لا في صورة النزاع الذي هو الثواب والعقاب.


(١) ١٥ الإسراء.
(٢) ١٠٢ الأعراف.
(٣) ١١٦ الأنعام.

<<  <   >  >>