قال له لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، ولولا أنها للترتيب لما كان بينهما فرق.
والجواب على الأول أن الترتيب له سببان أداة لفظية وحقيقة زمانية، فاللفظية نحو الفاء وثم، والحقيقة الزمانية هي أن أجزاء الزمان مرتبة بذاتها، فلا يقع الحال قبل الماضي، ولا المستقبل قبل الحال، ولا حين إلا قبل حين بعده، وبعد حين قبله، واجتماع الأزمان محال، فإذا كانت أجزاء الزمان مرتبة هكذا بعضها قبل بعض، والواقع في المرتب مرتب، وفي السابق سابق على الواقع في اللاحق، فالمنطوق به أولاً متقدم لتقدم زمانه على المنطوق به آخر التأخر زمانه، ولذلك أنا نقدم المفعول على الفاعل لشرفه بالحقيقة الزمانية فقط، فنقول أنشد النبيَّ حسانُ بن ثابت، ولا لفظ مرتب هنا، بل الزمان فقط، إذا تقرر هذا فنقول إذا قال الخطيب ومن يعص الله ورسوله، فقد حصل الترتيب بالحقيقة الزمانية
عندنا، واتجه عتب الخطيب عند عدمها، فلم قلتم أن الترتيب لأداة لفظية؟ بل لما ذكرنا، وهو مجمع عليه وما ذكرتموه مختلف فيه، وإضافة كلام الشارع للمتفق عليه أولى. وهو الجواب عن الثاني.
فائدة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب، فما الفرق وما الجواب؟
الجواب من وجهين: أحدهما ذكره الشيخ عز الدين عبد السلام - قدس الله روحه - فقال: إن منصب الخطيب حقير قابل للزلل؛ فإذا نطق بهذه العبارة قد يتوهم فيه لنقصه أنه إنما جمع بينهما في الضمير لأنه أهمل الفصل بينهما في الضمير والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية، ومنصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غاية الجلالة والبعد عن الوهم والتوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام وإيهام التسوية.