مُرْسَلَةً، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ أَقْرَأَكَهَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ " فَمَدُّوهَا.
هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ حُجَّةٌ وَنَصٌّ فِي هَذَا الْبَابِ، رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ، وَذَهَبَ الْآخَرُونَ مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ آنِفًا إِلَى تَفَاضُلِ مَرَاتِبِ الْمَدِّ فِيهِ كَتَفَاضُلِهَا عِنْدَهُمْ فِي الْمُنْفَصِلِ، وَاخْتَلَفُوا عَلَى كَمْ مَرْتَبَةٍ هُوَ؟ فَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ، وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: إِشْبَاعٌ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ دُونَهُ، ثُمَّ دُونَهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إِلَّا الْقَصْرُ، وَهُوَ تَرْكُ الْمَدِّ الْعَرَضِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّيْسِيرِ أَنَّ بَيْنَهُمَا مَرْتَبَةً أُخْرَى، وَأَقْرَأَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَمَلًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، بَلْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ طُرُقِهِ إِلَّا بِأَرْبَعِ مَرَاتِبَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ " التَّيْسِيرِ " فِي غَيْرِهِ، فَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ مِنْ تَأْلِيفِهِ: إِنَّهُ قَرَأَ لِلسُّوسِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ بِقَصْرِ الْمُنْفَصِلِ وَبِمَدٍّ مُتَوَسِّطٍ فِي الْمُتَّصِلِ، وَإِنَّهُ قَرَأَ عَنِ الدُّورِيِّ وَقَالُونَ عَلَى جَمِيعِ شُيُوخِهِ بِمَدٍّ مُتَوَسِّطٍ فِي الْمُتَّصِلِ، لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَنْهُمَا فِي الْمُنْفَصِلِ، وَلِذَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ وَزَادَ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ جَمِيعًا مَرْتَبَةً خَامِسَةً، هِيَ أَطْوَلُ مِنَ الْأُولَى لِمَنْ سَكَتَ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ، وَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ طَرِيقِ الشَّمُونِيِّ، عَنِ الْأَعْشَى، عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ طَرِيقِ الْأُشْنَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ، وَمِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ خَلَّادٍ، عَنْ حَمْزَةَ، وَمِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْكِسَائِيِّ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا مَدُّوا الْمَدَّ الْمُشْبَعَ عَلَى قَدْرِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يُرِيدُونَ التَّمْكِينَ الَّذِي هُوَ قَدْرُ السَّكْتِ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ تَجْرِي لِكُلِّ مَنْ رَوَى السَّكْتَ عَلَى الْمَدِّ، وَأَشْبَعَ الْمَدَّ كَمَا سَيَأْتِي، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ فِي الْبَسِيطِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الْعِرَاقِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَأَبُو الْفَخْرِ الْجَاجَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ مَرَاتِبَهُ ثَلَاثَةٌ: وُسْطَى، وَفَوْقَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute