الغربيون يكادون يكونون منكفئين على الاعتقاد فى كل امر يشين محمد:
صلّى الله عليه وسلم، فاذا ظهر لهم تفسير كريه لفعل يبدو معقولا ومنطقيا مالوا الى تصديقه. وعلى هذا، فاذا كان علينا أن نفهم محمدا صلّى الله عليه وسلم ككل متكامل، وأن نصحح الأخطاء التى ورثناها عن الماضى فلابد أن نؤمن باخلاصه وصدقه الا اذا ثبت العكس، ويجب ألا ننسى أن البرهان الأخير (النتيجة النهائية) تتطلب استقامة أكثر بكثير مما يتطلبه استعراض المعقولية (القابلية للتصديق) . فنظريات الكتاب الغربيين التى تفترض افتراضا مسبقا أن محمدا صلّى الله عليه وسلم غير صادق لن نناقشها كنظريات، ومع هذا فسنناقش هنا الأدلة التى سيقت للدلالة على عدم صدقه.
واذا كان الأمر كذلك، فاننا نكون قد حللنا المعضلة على قدر الطاقة فيما يتعلق بصدقه واخلاصه صلّى الله عليه وسلم، ويجب أن نميز بين القران والشعور الواعى العادى لمحمد صلّى الله عليه وسلم مادام هذا الفصل يعد أمرا ضروريا بالنسبة له.
ومن البداية لابد أن محمدا صلّى الله عليه وسلم قد ميز بشكل واضح بين ما يأتيه وحيا كما يعتقد- وبين ما ينتجه عقله الواعى. أما كيف كان يميز بينهما، فهذا أمر غير واضح تماما، لكن الحقيقة التى صنعها محمد صلّى الله عليه وسلم مؤكدة كأى شىء فى التاريخ. اننا لا نستطيع بأى درجة معقولة أن نتخيله يقحم ايات من تأليفه بين الايات الموحاة اليه (الايات الاتية اليه من مصدر خارج عن شعوره كما يعتقد) . وعلى أية حال، فربما يكون محمد صلّى الله عليه وسلم قد فعل شيئا فى الوحى المنزل عليه كاعادة ترتيب الايات الموحى بها، وربما يكون قد حاول أن يصوب النص اذا أحس أن النص الموحى به يحتاج الى اصلاح*، ويعتقد أهل السنة بالناسخ والمنسوخ، أى أن هناك ايات قرانية نسختها ايات أخرى.
أما شرح كيف كان محمد صلّى الله عليه وسلم يفصل بين ما يوحى اليه وما هو من عنده، فمسألة أخرى، ولأن مناقشة ذلك تتطلب الخوض فى مسائل لاهوتية (متعلقة بعلم الكلام عند المسلمين) فلن نناقشها هنا. وهناك
* ان كان المقصود اصلاح أخطاء كتاب الوحى فلا بأس، لكن أيصلح نبى ما أنزل ربه عليه؟ وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم عندما يتلقى وحيا يلقيه فى الحال على كتاب الوحى لتدوينه أما أفكاره الخاصة فلا يفعل معها ذلك- (المراجع) .