سياسية. واذا كانت الروايات المتعلقة بالعروض التى عرضها زعماء قريش على محمد (صلّى الله عليه وسلم) صحيحة، فهذا يعنى أن محمدا كان على وعى بالأبعاد السياسية لقراراته وعلى نحو خاص بالأبعاد السياسية لاذاعته لايات الغرانيق ثم الغائه لها (المترجم: حتى بفرض صحة رواية الغرانيق هذه، فان ابطالها، ونزول جبريل بالتنبيه على أنها من الشيطان يفيد فى أمور كثيرة، منها أن الاسلام يحرم تحريما قاطعا اللجوء الى غير الله أو الطلب من غير الله، سواء كان عزى أو مناة أو لات أو قبر شيخ أو ضريح ولى أو مشعوذ.... الخ) وعلى النحو نفسه فلا بد أنه كان واعيا عندما رفض فى النهاية أية تسوية أو مساومة، بأن أعلن بشكل حاسم من خلال سورة (الكافرون) أنه لا مجال لصلح أو سلام مع قريش اذا لم تقبل بصحة رسالته التى بعثه الله بها. ولهذا مضامين أبعد- وفقا لأفكار العرب عن سيادة الحكمة أو شرعية الحكمة- فان قبوله نبيا يعنى أيضا قبوله زعيما، لكن محمدا قد لا يكون واعيا بكل ذلك فى البداية، فقبل بلا شك- ما نزل به القران الكريم من أنه ليس الا نذيرا، وانه بالتالى ليس الا صاحب رسالة دينية. ففصل العرب بين النبوة والزعامة أمر غير قائم ولا يمكن أن يستمر، فكيف يمكن لأى زعيم مدنى أن يحكم اذا كانت كلمة الله أو حتى كلمة نبى ضده؟ نخلص من هذا الى أن التعرض لربات قريش (الأوثان) كان بالفعل هو بداية المعارضة الحقيقية التى شنتها قريش ضد الرسول، كما أن سورة (الكافرون) التى تبدو ذات هدف دينى خالص، كانت هى التى جعلت فتح مكة بالنسبة لمحمد صلّى الله عليه وسلم أمرا ضروريا.
٢- أمور الحبشة
اذا كانت التواريخ النسبية التى وردت فى خطاب عروة صحيحة، فان الهجرة الى الحبشة تكون قد وقعت بعد نزول سورة (الكافرون) مع ابطال ايات الغرانيق، وهذا الترتيب يتناسب مع النتائج التى انتهت اليها الهجرة الى الحبشة، وهى ما سنتعرض له فى السطور التالية.