كان للمال أهمية فى المحافظة على مثل هذه الأحلاف، ولكن المال واحده لا يكفى، فرجال بمثل هذه الشخصية العنيدة حادة الطبع لا يمكن التعامل معهم الا بلباقة ودبلوماسية دائمتين، وتتطلب هاتان الصفتان تحكما تاما فى مشاعر الانسان، وقد كان هذا الأسلوب فى الحكم المتعقل الصبور، أو ما أطلق عليه حلم قريش، الذى مكنهم من المحافظة على أحلافهم. «وكانت هذه الحكمة السياسية، التى أشرق فيها كل حلم قريش، هى الضمان الذى به احتفظت مكة بسيادتها على جيرانها من البدو لسنوات طويلة قبل الاسلام»(لامانس، مكة، ٨١/ ١٧٧)«١» .
[(د) سياسة مكة الخارجية]
كانت مكة واقعة فى دائرة اهتمام قوتين عظيمتين، الامبراطورية البيزنطية والامبراطورية الفارسية وقوة ثالثة أقل وهى مملكة الحبشة، وكانت الأسباب الأساسية التى جذبت انتباه الامبراطوريتين الى شبه الجزيرة العربية تجارية، فكانت الامبراطورية البيزنطية ترغب فى الحصول على المواد الترفية من الشرق، ولكن فارس كانت تسد عليها جميع طرق التجارة تقريبا، البرية منها من الصين والهند (باستثناء الطريق الذى يمر شمال بحر قزوين) والبحرية من الهند وسيلان عن طريق الخليج الفارسى. وكانت فارس تكبد البيزنطيين أسعارا فادحة فى مقابل الحرير والتوابل فى زمن السلم، أما فى زمن الحرب فكانت هذه البضائع تنقطع تماما، ولكن كان هناك الطريق البرى عبر غرب شبه الجزيرة العربية الى الشام (وكان أيضا طريق البخور من جنوب شبه الجزيرة العربية) وطريق البحر الأحمر الذى لم يكن يستخدم كثيرا لسبب غير واضح.
كان جوستنيان، Justinian الذى أدار السياسة البيزنطية تحت حكم جوستين Justin من ٥١٨ الى ٥٢٧ ثم صار هو الامبراطور
(١) بالاضافة طبعا الى أثر وجود بيت الله الحرام فى مكة وجوار قريش له فى ارساء قواعد مهابتها فى قلوب العرب.