للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدر بلاء حسنا حتى لو كانت بطولات على وحمزة مبالغا فيها الى درجة كبيرة، وحتى لو كان الأنصار هم المقاتلين الأفضل من جميع النواحى.

لكل هذه الأسباب، نرى أنه من الواضح أن رياسة قريش لم تكن بسبب براعتهم فى القتال كأفراد.

كان سر مهابتهم قوتهم العسكرية التى يستطيعون أن يواجهوا بها أى خصم، ولم تكن هذه القوة قوتهم واحدهم بل كانت قوتهم مع أحلافهم، وقد تأسست هذه الأحلاف على أساس أعمالهم التجارية. فقد كانت القوافل الى اليمن والشام والبلاد الاخرى تتطلب خدمات من عدد كبير من البدو كأدلاء وحراس ورعاة للابل.. الخ. وقد يدفعون مبلغا من المال لزعيم قبيلة لضمان سلامة المرور فى منطقة نفوذه، أو للحصول على الماء أو أنواع أخرى من الزاد، وهكذا كانت قبائل البدو تشارك فى تجارة مكة، وسرعان ما عرفوا من أين تؤكل الكتف، فقد كان رخاء مكة رخاء لهم كما كانت خسارة مكة خسارة لهم، وقد زاد هذا الشعور بالتكامل مع مكة عمقا بالمصاهرة التى كانت بين زعماء مكة والقبائل المختلفة، وباشراك زعماء القبائل فى تجارات مكة ذات رؤوس الأموال المشتركة.

ومن هذا نرى أن القول بأن أهل مكة كانوا يدفعون للرجال ليقاتلوا من أجلهم صحيح الى حد ما، ولكن هؤلاء الرجال لم يكونوا بأية حال مرتزقة، فلا وجه للمقارنة بينهم وبين الحرس السويسرى أو الفرقة الأجنبية الفرنسية مثلا، فقد كانوا جميعا عربا أحرارا دخلوا فى أحلاف واتفاقيات مع قريش على أساس من الندية. وكان زعماء تلك الطائفة الغامضة التى يطلق عليها الأحابيش يعلنون اراءهم صريحة فى مواجهة أهل مكة «١» ، وعندما هاجم البراد من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة احدى القوافل، وهى الحادثة التى أدت الى اشتعال حرب الفجار، كان لا شك يعلم أن فعله هذا يسير فى نفس الخط مع سياسة مكة وأن قريشا سوف تؤيده، ولكن ربما كان تصرفه هذا نابعا من نفسه ولم يكن تنفيذا لأوامر أهل مكة.


(١) انظر التذييل؟ أ، الفقرات: أ، د، ج (المؤلف) .

<<  <   >  >>