لأن الباحثين المسلمين لا يعترفون بالفكرة الأوربية الحديثة عن التطور التدريجى، فانهم قد اعتبروا محمدا (صلّى الله عليه وسلم) كان على وعى كامل منذ البداية الأولى للدعوة بكل أبعاد عقيدة التوحيد (النص: عقيدة الاسلام السلفى كما هى معروفة الان (Orthodox dogme لذا، فقد كان من الصعب بالنسبة لهم أن يفسروا سبب عدم ادراكه (اى محمد صلّى الله عليه وسلم) للمضمون الوثنى لايات الغرانيق (المترجم: المؤلف يا بنى استنتاجاته على أساس أن قصة الغرانيق صحيحة، وان كان بعض الباحثين المحدثين يرى غير ذلك- انظر الحاشية) والحقيقة أن التوحيد الذى كان يؤمن به محمد (صلّى الله عليه وسلم) كان فى بدايته لا يختلف عن توحيد من هم أكثر تنورا فى عصره أى أنه كان توحيدا غامضا على نحو ما؛ بمعنى أنه لم يكن ممكنا فى مرحلة مبكرة فصل التوحيد الخالص عن الاحساس بوجود كائنات أخرى ذات طابع الهى أو مقدس (المترجم: يدرك المسلمون وبعض غير المسلمين أن هذا غير صحيح بالمرة؛ بمجرد قراءة أول ما نزل من القران الكريم الذى يشير بوضوح الى اله واحد خالق وهاد: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) ... كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)) السورة رقم ٩٦ (العلق) .
فربما نظر محمد الى اللات والعزى ومناة كموجودات أو ربات، وان كانت لها قدسية، الا أنها أقل أهمية من الله سبحانه وتعالى على النحو
لا أصل اذا لمسألة الغرانيق على الاطلاق، ولا صلة ألبتة بينها وبين عودة المسلمين من الحبشة، انما عادوا كما قدمنا، بعد أن أسلم عمر ونصر الاسلام بمثل الحمية التى كان يحاربه من قبل بها، حتى اضطرت قريش لمهادنة المسلمين. وعادوا حين شبت فى بلاد الحبشة ثورة خافوا مغبتها. فلما علمت قريش بعودتهم ازدادت مخاوفهم أن يعظم أمر محمد بينهم، فأتمرت ما تصنع. وقد انتهت بوضع الصحيفة التى قرروا فيها فيما قرروا ألا يناكحوا بنى هاشم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، كما أجمعوا فيما بينهم أن يقتلوا محمدا ان استطاعوا.