[قضية عثمان بن مظعون (رضى الله عنه) وقضايا أخرى شبيهة]
نفهم من الفصل الاول أن وات ذهب الى أن الوثنية العربية قبل الاسلام كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة أو أنها كانت فى حالة احتضار، وأنها تدنت الى مستوى السحر، ولم يعد لها مضمون عقائدى، وبطبيعة الحال فان التركيز على هذه الفكرة ذو مضمون تطورى، فكأنه يريد القول ان التحول للاسلام بعد ذلك كان هو الخطوة المنطقية أو الطبيعية، وفى فصوله الاخرى يشير الى كثير من الايات القرانية التى تفيد أن العرب كانوا يعرفون الله كموجود أسمى فوق كل الخلائق، ولكنهم كانوا يشركون مع عبادته أربابا أخر. ويضيف أيضا أن الأفكار المسيحية واليهودية لم تكن بعيدة عن شبه الجزيرة العربية من نواح شتى، كما لم تكن بعيدة على نحو خاص- عن مكة والمدينة، فهو يحدثنا عن الرحلات التجارية الى الشام البيزنطية (المسيحية) والى الحيرة الفارسية (التى انتشرت فيها أيضا المسيحية على المذهب النسطورى) والى الحبشة (المسيحية اليعقوبية) ويحدثنا عن قبيلة عذرة المسيحية، وعن اليهود فى الجنوب وعن التجمعات اليهودية الصغيرة فى بعض الواحات، وكيف أن بعضهم ربما كانوا عربا تهودوا.. ولما كان الانسان ابن بيئته، فهو يفترض أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان على علم بما يدور حوله، ويرفض وات تماما أن الاسلام دين صحراوى فهو قد نزل أول ما نزل فى بيئة مالية معقدة هى بيئة تجار مكة الذين غلبت تحالفاتهم المالية، تعصبهم القبلى، ويضرب أمثلة على ذلك ويورد جداول تبين طبيعة هذه التحالفات، ويتتبع خطوط التجارة، ويربطها بالقوى السياسية الكبرى فى ذلك العصر: الدولة البيزنطية، والدولة الفارسية، والحبشة، ويرى أن أهل مكة- وهم تجار- كانوا على وعى كامل بهذه الأوضاع السياسية لارتباطها بتجارتهم، ويستنتج أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان أيضا على وعى بذلك، ويضرب وات أمثلة بأشخاص كانوا حتى قبل الاسلام منهمكين فى البحث عن الدين الحق أو فكرة التوحيد، ويسوق أمثلة منها ورقة بن نوفل، والمؤلف لم ينكر