وجود الحنفاء (جمع حنيف) الذين كانوا يتعبدون على دين ابراهيم الخليل، ولكنه أيضا حدثنا عن عثمان بن الحويرث الذى قابل قيصر الروم (الدولة البيزنطية) وتنصر أملا فى أن يساعده الامبراطور ليكون ملكا على مكة. يريد وات أن يقول، ان الجسور بين الاسلام والمسيحية تحديدا لم تنقطع يوما، وهو يؤكد فى أكثر من موضع أنه لا يعنى بهذا أبدا علم أصالة الاسلام ولكن الذى يعنيه أن الأفكار المسيحية واليهودية كانت موجودة بالفعل فى البيئة العربية، والا لما تناولها القران الكريم.
وقد جعلت هذه الأفكار من (وات) مفسرا للحوادث على نحو غير مألوف، فهو مثلا لا يتعرض لهجرة المسلمين الى الحبشة (الهجرة الأولى والثانية) ببساطة كما تتعامل المصادر الاسلامية، ولا يكفيه القول انهم هربوا من اضطهاد أهل مكة لهم، وانما يسوق أسبابا كثيرة، منها ما يهمنا توضيحه فى هذه المقدمة. انه يرى أنه كان هناك خلاف بين المسلمين أنفسهم، وأنه كانت هناك مجموعتان (فكريتان) احداهما على رأسها أبو بكر رضى الله عنه، والاخرى على رأسها عثمان بن مظعون رضى الله عنه. فما حكاية عثمان بن مظعون رضى الله عنه؟
يركز المؤلف على أن عثمان كان يميل للرهبنة أو الزهد الشديد، وأنه كان صاحب اتجاه فكرى يتجه فى هذا المنحى، وربط بشكل أو باخر بين هذا والهجرة الى الحبشة، على أساس أن محمدا صلّى الله عليه وسلم بشخصيته الذكية اللماحة على حد تعبير المؤلف استشعر ما سيكون من خلاف فى الاتجاهات بين أتباعه فحث بعضهم على الهجرة، وبقى اخرون. هذا التحليل قد يكون موضع خلاف، لكن الذى يهمنا هنا هو أن عثمان بن مظعون كان فعلا ذا اتجاه من نوع خاص، وأنه بالفعل لم يكن شخصا عاديا، وانما كان على رأس مجموعة، ونفضل هنا الرجوع للمصادر الاسلامية مباشرة فنعرض ما ذكره ابن سعد فى الجزء الأول من كتابه (الطبقات الكبرى) وهو الذى خصصه للسيرة النبوية «١» .