للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شائق ومهم أن نتعرف على القيم الاخلاقية التى يغرسها القران (الكريم) .

اننا نجد فى بعض الايات الأولى التى نتناولها بالدراسة فى هذا الفصل- كلمة (تزكى) وهى كلمة غامضة شيئا ما. ففى السورة رقم ٨٠ (عبس) يتلقى محمد صلّى الله عليه وسلم توبيخا من ربه لأنه صرف اهتمامه لرجل ثرى مهم أكثر مما اهتم برجل أعمى، على أنه- محمد صلّى الله عليه وسلم- لا يدرى فلعل هذا الأعمى يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى (يزكى (purify himself وحتى اذ لم يزك هذا الرجل الثرى does not purify himself فلن يضار محمد صلّى الله عليه وسلم شيئا لأن من يزكى فانما يزكى لنفسه. «١٥» prospered has he who purifies himself ان مفهوم الكلمة معقد بعض الشىء وقد ناقشنا ذلك فى الملحق رقم (د) بهذا الكتاب.

أما هنا فلا بد من ايراد النتائج التى وصلنا اليها. ودليلنا الى ذلك هو الملاحظة التى أوردها الشارح ابن زيد «١٦» ان (التزكى) فى القران الكريم تعنى (الاسلام) الذى يعنى تطهير النفس باسلامها لله سبحانه وتعالى. ويبدو أنه عند التفسير ينحو المفسرون نحو ذلك، لكن هناك اختلافا طفيفا فيما يتعلق بالمعنى الدقيق الذى نتناوله هنا. فكلمة تزكى فى المرحلة المكية (وربما فى بداية المرحلة المدنية) ترد فى النص القرانى بالمعنى نفسه لجذر الكلمة بالعبرية والارامية والسريانية. انها اذن تعنى (التطهر الخلقى) وهى فكرة غامضة وصلت للعقل العربى من خلال تأثيرات يهودية ومسيحية، فى مقابل (التطهر الطقسى) أو (التطهر الشعائرى) ، أو (التطهر بممارسة عبادات بعينها ritual purity (الموجود فى العقائد الوثنية العربية، وفى مقابل التطهر المادى) physical كالاستحمام وغسل اليدين.. الخ) . وعادة ما يكون هذا التطهر الخلقى مرتبطا بالحياة الاخرى ويجعل المرء يفكر فى نوعيات هذه الحياة (الروحية أو الخلقية أساسا) ، حيث يحظى الانسان بالسعادة الأبدية (بالجزاء الخالد) . ويكاد يكون معنى التطهر الخلقى مساويا لما نقصده


(١٥) راجع النص القرانى ٨٧/ ١٤، ٩١/ ٩ وما بعدها.
(١٦) تفسير الطبرى، ٧٩/ ١٨.

<<  <   >  >>