للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاضطراب العائد الى عدم كفاية هذا الدين (دين عبادة المال) ربما شعر به بشكل حاد متوسطو الثروة (غير الأثرياء جدا) ، فهؤلاء كان لديهم من الوقت كى يتأملوا وكى يكونوا على بعض الوعى بحدود ما يقدر عليه المال، أو بتعبير اخر قصور سلطان المال.

ويشير القران الكريم فى أوائل ما نزل منه الى ثقة قريش المفرطة فى المال باعتبارها خطيئة حاقت بها، واعتبر- أى القران الكريم- ذلك واحده كافيا للادانة. فالثقة فى الثروة تجر وراءها المبالغة فى الثقة بالنفس وتجر الانسان الى نسيان اعتماده على الله، أو حتى انكار ذلك.

ولكى يذكر القران الكريم الانسان أنه مخلوق، فقد جعله يتحقق من أن كثيرا من الأشياء التى تسبب له السعادة- بما فيها المال- انما هى فى الحقيقة ملك لله تعالى، فتحدث القران الكريم عن خلق الله للانسان وتزويده بكل ما يجعل السعادة فى الحياة أمرا ممكنا، وذكر الانسان بأنه سيعود الى الله فالى الله المصير. لقد حض القران الكريم على شكر الله وعبادته والاعتراف بفضله والاعتماد عليه، وأن يتخلى الانسان عن الاعتماد المبالغ فيه على الثروة، وكان ذكر اليوم الاخر بمثابة تحذير للانسان من أن مصيره النهائى بين يدى الله وليس بين أيدى البشر.

وفى مقابل كل هذا لا بد أن نحاول فهم التركيز على قيم الكرم، فمثل هذه القيم لها أثرها الاجتماعى والاقتصادى لكن يكاد يكون مؤكدا أنها لم تكن أهم جوانبها. لقد كان ذكرها بمثابة اعادة تأكيد على قيم (المروة) ، وكان هذا أمرا مهما، لكن كانت هناك أمور أخرى أيضا. لقد كانت هناك ممارسات عملية بمعزل عن الثروة، وكان هناك تعبير خارجى عن هذا الاتجاه الجديد الداخلى (العميق) لا بد من وجوده لتقوية الفكرة الكامنة وراءه.. لكن من المؤكد أنه بمرور الوقت، فان هذه الأفعال المتعلقة بالكرم أصبحت مرتبطة بشىء ما راسخ وعميق الجذور فى قلب العربى. لقد أصبحت أفعال الكرم (المقصود الصدقات والزكاة..

الخ) كنوع من التضحية (تقديم الأضحيات) ، لاسترضاء القوى الأقدر لاتقاء غضبها وكسب رضاها. انها استمرار لما كان يفعله اباؤهم وأجدادهم

<<  <   >  >>