للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سياسة حيادية؛one of neutrality لكن الحبشة بلا شك كانت غير موافقة على استعداد رأسماليى مكة للتجارة مع الفرس، وكانت الحبشة مستعدة لعمل كل ما فى وسعها لاضعاف مكة اقتصاديا. والرواية التى مؤداها أن المكيين قد أرسلوا رجلين كمبعوثين للنجاشى رواية مقبولة، وربما دعمت وجهة النظر التى مؤداها أن الهجرة للحبشة كانت ذات أبعاد اقتصادية وسياسية. لكن طبيعة هذه البعثة ونتائجها تبقى مجالا للتخمين. ربما كانت ناجحة من ناحية منع النجاشى عن تقديم مساعدة فعالة للمسلمين؛ باخباره بضعف موقفهم فى مكة حتى لو فشلت هذه البعثة فى تحقيق هدفها الأساسى- وفقا للرواية التقليدية- فى اعادة المهاجرين الى بلادهم. وعلى أية حال، فان هذا السبب الرابع رغم أنه جذاب فى بعض جوانبه الا أنه لا يفسر لنا كيف أن بعض المسلمين ظلوا بافين هذه المدة الطويلة فى الحبشة.

انه من الصعب أن نقاوم النتيجة التى ترتبط بالسبب الخامس ارتباطا وثيقا، ونعنى بها أنه كان هناك انقسام حاد فى الرأى بين الجماعة الاسلامية الناشئة. فبعد أن قدم لنا ابن اسحق قائمته التى نضم المهاجرين، أضاف ابن هشام ملحوظة مهمة مؤداها أن القائد لهذه المجموعة كان هو عثمان بن مظعون. وابن سعد «٢٩» يذكر لنا أنه حتى أثناء الجاهلية كان ابن مظعون يتحاشى شرب الخمر وكيف أنه فى مرحلة لاحقة حاول أن يدخل فى الاسلام بعدا تقشفيا أو أمورا متعلقة بالزهد ascetic لم يوافق عليها محمد صلّى الله عليه وسلم، وقد قدم عثمان بن مظعون فى البداية مع عدد من الأصحاب كلهم من الرجال المهمين وكان هو- بلا شك- على رأسهم.

وعلى هذا، فانه يكاد يكون مؤكدا أن ينظر اليه كقائد جماعة بين المسلمين كانت- أى هذه الجماعة- منافسة لجماعة أخرى يتزعمها أبو بكر.

وملاحظة عمر التى ذكرها ابن سعد مؤداها أنه حتى بعد وفاة النبى صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق رضى الله عنه، لم يفكر فى عثمان بن مظعون الا قليلا


(٢٩) ج ٣، ٢٨٦- ٢٩١.

<<  <   >  >>