للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحروب العنيفة (الانتحارية (Suicidal التى كانت تنشب بينهم، ومن هنا فان نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم- بما فيها من مضامين سياسية- كانت من الزم الأمور للمدينة لبعث الامل فى السلام.

وربما عبرت الاية القرانية التالية «١٣» عن هذه الفكرة:

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)) السورة ١٠ (يونس) .

فالنبى- بسلطته القائمة على الدين لا على الدم- يمكنه أن يعلو فوق الأعراق المتحاربة وأن يكون حكما بينها. وتحدثنا المصادر أن الأنصار تصوروا محمدا صلّى الله عليه وسلم المسيح المنتظر الذى كان يتوقع اليهود مجيئه، فسارعوا- أى الأنصار- بقبوله «١٤» . لكن- ان كان فى هذه الرواية قدر من الصحة- فان هذه الفكرة عن المسيح هى التى ألفت بين الأنصار، بالاضافة الى فكرة الجماعة Community التى يتحلق أفرادها حول شخصية دينية ذات مواهب خاصة.

لقد كان لدى الأنصار اذن سبب قوى لقبول محمد صلّى الله عليه وسلم نبيا، وكان لهذا السبب- بلا شك- تأثيره. وبالاضافة لهذا، فقد كانت الأمراض الاجتماعية فى يثرب ذوات جذور دينية. فالنظرة البدوية التى يشارك فيها الأوس والخزرج تجعل معنى الحياة يكمن فى الشرف وشجاعة القبيلة أو العشيرة. وتتحقق مثل هذه الفكرة كأفضل ما يكون فى الجماعة الصغيرة المتماسكة نسبيا. انها لا تنطبق على الواحدة الكبيرة كالأنصار (يقصد اذا نظرنا للأنصار كواحدة كبيرة واحدة) ، ففى هذه الواحدة الكبيرة ليس من الضرورى أن يكون لكل فرد فيها ارتباطات خارج المجموعة الكبيرة (الأنصار) . فالحياة البدوية لا تدعم روح التضامن الا فى نطاق المجموعات الصغيرة. وبالاضافة لذلك، ففى يثرب لم يكن هناك ما يدعو للفخر- الا قليلا- فى هذا القتال المرير الذى استمر فترة طويلة.


(١٣) أوردنا الاية ورقمها بالمتن.
Welhausen ,Op.cit. ٣٤. ٥٥ f. ٥٩ -٦٢. (١٤)

<<  <   >  >>