للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له، كما أنه لا مجال- بالتالى- للقول بمحاكاة أقوالهم لنقباء بنى اسرائيل أو حواريى المسيح. والاحتمال الأرجح هو أن يكون نظام النقباء كان جزا من النظام الأولى أو الأساسى للمجتمع الجديد أو الأمة الجديدة فى المدينة، وأنه سرعان ما دخل فى طوايا النسيان أولم يعد مستخدما.

ومن ناحية أخرى، فان النقطة الاساسية حول هذا اللقاء أو الاجتماع (البيعة) ، وهى الحرب (الجهاد) ، غير واضحة فالى أى مدى ذهب المبايعون فى وعدهم بالحرب* واستمرارهم فيها فى حالة حدوثها، ولا بد أن أهل المدينة قد وافقوا أيضا على استقبال المهاجرين من مكة بشروط ودودة. وما هو غير واضح هو الى أى مدى قيد أهل المدينة أنفسهم بمعاداة قريش. والذى لا شك فيه أن تزايد قوة مكة أمر غير مؤكد، كما أن الحقيقة التى مؤداها أن محمدا صلّى الله عليه وسلم لم يكن شخصا مرغوبا فيه فى مكة Persona non grata تجعلنا نتأكد أنه من المحال أن يستخدم أى محمد- لمد نفوذ مكة. لكن أكان الترحيب بمحمد صلّى الله عليه وسلم فى المدينة والتخلى له عن النفوذ فيها بمثابة القاء القفاز فى وجه أهل مكة؟

(المقصود أكان ذلك بمثابة اعلان للحرب على أهل مكة؟) .

ان الاجابة عن هذا السؤال مرتبطة بالاجابة عن أسئلة أخرى.

ماذا أعد محمد صلّى الله عليه وسلم من خطط لأصحابه بعد ذهابهم للمدينة؟ وكيف كانت طبيعة وجودهم فى المدينة كما اقترحها عليهم؟ انه لا يستطيع أن يجعلهم ضيوفا عاطلين بشكل دائم على أهل المدينة، ولم يكن يكاد يتوقع منهم أن يقيموا فى المدينة ويعملوا كفلاحين. انهم فى المدينة لا يستطيعون العيش الا كتجار يرسلون القوافل، أو ينظمون أنفسهم لشن الغارات على قوافل أهل مكة. وحتى اذا كان الخيار الأول هو القائم أو هو الخطة الأصلية (مع قلة الشواهد على ذلك) ، أليس هذا مؤديا لقيام عداوة ضارية مع قريش؟

وأ لم يكن محمد صلّى الله عليه وسلم يتوقع ذلك؟! وباختصار، فلا بد أن محمدا صلّى الله عليه وسلم كان على يقين من أن هجرته الى المدينة ستؤدى عاجلا أم أجلا للحرب مع


* عن هذه النقطة (وهى الحرب مع الرسول) يقول ابن هشام ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لوفد يثرب: أبايعكم على أن تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم فبايعوه على ذلك وأضافوا أنهم يبايعونه على هلاك الأموال وقتل الأشراف والاحتمال فى كل الأحوال (ابن هشام: ج ١ ص ٤٧٥- ٤٧٦. (المراجع) .

<<  <   >  >>