هذه الحالة ربما لا يكون الأمر بعيدا عن محاولة عثمان السيطرة على مقاليد الأمور فى مكة*. لكن قد يكون كل واحد منهم- ببساطة- قد اتخذ طريقة لهذا التوحيد بشكل مستقل. ومن الممكن أن نسلم بأن أحدا منهم لم يكن غائب الوعى تماما عن العوامل غير الدينية التى أدت للوضع المزعج الذى وصلت اليه حال بلادهم، مع أنه من المحتمل أن يكونوا أكثر اهتماما بالعامل الدينى.
ورغم الغموض الذى استمر يحيط بهؤلاء الرجال الذين ارتبط بهم مسمى الحنفاء، الا أن ما نعرفه عنهم يعد كافيا بدرجة تجعلنا نعتبرهم عاملا اضافيا يوضح لنا الطريقة التى تغلغلت بها أفكار التوحيد فى البيئة التى نشأ بها محمد (صلّى الله عليه وسلم) ، والتى جذبت بعض أكثر العرب تنورا. فهؤلاء المسلمون بالحنفاء لم يكونوا هم واحدهم الذين انجذبوا لفكرة التوحيد، لقد كان هناك اخرون بين أتباع محمد (صلّى الله عليه وسلم) الأوائل، مثل عثمان بن مظعون وواحد على الأقل فى المدينة المنورة هو أبو عامر عبد عمرو بن صيفى الذى عارض الرسول (صلّى الله عليه وسلم) معارضة مريرة. وبالنسبة للدارس لحياة محمد (صلّى الله عليه وسلم) ، يعد الحنفاء ذوى أهمية لأنهم يقدمون برهانا على أن أفكار التوحيد كانت موجودة بالفعل فى البيئة التى ظهر فيها- أى ظهر فيها محمد النبى (صلّى الله عليه وسلم) .
* عن هذه الواقعة يحدثنا هيكل فى حياة محمد. يقول: «وأما عثمان بن الحويرث، وكان من ذوى قرابة خديجة، فذهب الى بزنطية وتنصر وحسنت مكانته عند قيصر ملك الروم. ويقال: انه أراد أن يخضع مكة لحماية الروم وأن يكون عامل قيصر عليها، فطرده المكيون فاحتمى بالغساسنة فى الشام، وأراد أن يقطع الطريق على تجارة مكة، فوصلت الى الغساسنة هدايا المكيين؛ فمات ابن الحويرث عندهم مسموما» - (المترجمان) .