للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بالغ بعض النقاد الغربيين فى التأكيد على الجانب الاسطورى لهذه القصص، وركزوا بشكل مبالغ فيه على مناقشة ما اذا كانت الشخصيات المذكورة فى هذه المصادر أفرادا حقيقيين أم مجرد تجسيد للقبائل. وربما كانت هناك حقائق تاريخية أكثر مما ذكر فى هذا النقد المتطرف، ولكننا لا نعتزم أن نلمس هذا الموضوع الصعب هنا اذ انه يحول انتباهنا عن الحقيقة الهامة، وهى أن هذه القصص تبين لنا كيف كانت قريش تدرك العلاقات بين الأسر والعشائر فى زمان محمد (عليه الصلاة والسلام) ، وربما تكون بعض جوانب الموضوع قد حدث فيها تعديل نتيجة للأحداث التى وقعت فيما بعد، مثل العداء بين العباسيين والأمويين الذى ربما يكون قد أثر على ما روى عن العلاقات بين بنى هاشم وبنى أمية. ولكننا نستطيع أن نثق فى الصورة بصفة عامة.

وقدسية مكة قديمة جدا، فبعد أن حكمتها قبيلة جرهم لفترة طويلة، انتقل أمرها الى قبيلة خزاعة التى ارتبط بها بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، واحتفظت الأسر القديمة ببعض الامتيازات التى ربما كان لها سمة مقدسة مثل الاجازة، Ijazah التى ظلت فى يد بنى صوفه، Sufah ثم انتقلت السلطة من خزاعة وحلفائها الى قصى الذى استمد قوته فى جانب منها من حلفاء من بنى كنانة وقضاعة، وفى جانب اخر من توحيده لجماعات قريش المختلفة التى كانت حتى ذلك الوقت متفرقة وغير مؤثرة. وربما كان قصى المؤسس لمكة بعد أن كانت مجرد مخيم حول الحرم*.

كذلك ربما كان قصى هو الذى ميز بين قريش البطاح (أولئك الذين يعيشون حول الكعبة مباشرة) وقريش الظواهر (وهم الذين يعيشون فى الضواحى) ، ولا شك أن هذا التمييز موجود، ومن الطبيعى أن يفترض أنه يعود الى الرجل الذى خصص الأحياء فى بداية بناء مكة.

وتنتمى سلالة قصى بأكملها وكذلك سلالة جده العظيم كعب الى قريش


* ابن هشام ج ١، ص ٧٨.

<<  <   >  >>