السيطرة الكاملة لعشائر مثل بنى عبد شمس وبنى مخزوم، فان العشائر الأصغر تفقد جزا لا بأس به من تجارتها وربما لا يجدون بضائع ينقلونها شمالا الى الشام، أو على أحسن الفروض يسمح لهم بالمشاركة فى القوافل ولكن بالشروط التى يمليها التجار الأغنياء، وبالتأكيد لن يترك لهم الا ربح ضئيل.
وتساعد حادثة عثمان بن الحويرث، كما فصلها لامانس (مكة ٢٧٠- ٩/ ٣٦٦- ٧٥) على تصوير سياسة الحياد التى كانت عليها مكة، فقد دخل عثمان فى مفاوضات مع البيزنطيين أو عملائهم وحصل على وعد بالمساعدة. ولا شك فى أن البيزنطيين كانوا يفكرون فى شىء يشبه امارة الغساسنة، فى حين ذكرت المصادر أن عثمان كان يطمع فى أن يكون ملكا على مكة، وكان هذا جزا من رد فعل البيزنطيين لغزو فارس للجنوب، ويشير لامانس الى أن عثمان لم يعلن عن هدفه هذا بالطبع، وانما كان يقول ان البيزنطيين سيغلقون الحدود ما لم تقدم لهم «هدايا» معينة، وانهم وكلوا اليه مهمة جمع هذه الهدايا، ولكن يبدو أن قول لامانس بعد ذلك ان عثمان قد استمال رؤوس بنى أمية وبنى مخزوم الى خطته هو مجرد افتراض أسسه على أنه لم يرد أى ذكر لمعارضتهم لذلك. ومن الواضح أن الحادثة التى قضت على خطة عثمان هى تحذير أحد أبناء عشيرته بنى أسد ويدعى الأسود بن المطلب أبا زمعة له من أن يسعى للملك، فمن الطبيعى أن يعترض الأغنياء على الوضع الخاص الذى كان سيحصل عليه عثمان نتيجة لخطته، ولكنهم كانوا بالاضافة الى ذلك يرون أنه ليس من الحكمة الخروج عن سياسة الحياد، وربما كانوا يشعرون بقوة مركزهم لحاجة البيزنطيين للبضائع التى يحملونها اليهم (لم يكن لرفض مقترحات البيزنطيين أى نتائج ذات قيمة فيما عدا سجن عدد قليل من الرجال لفترة من الوقت) . وفى هذه الظروف قاد بنو أمية وبنو مخزوم المعارضة ضد عثمان، الأمر الذى ربما يعيد الحياة لحلف الفضول الذى كان بنو أسد أحد أعضائه، وقد تجنبوا مثل ردود الفعل هذه باسناد القيادة لرجل من بنى أسد.
وليس من المنطقى أن نفترض، كما فعل لامانس، أن الدافع الوحيد للأسود هو الحسد، فمن الواضح أنه كان على درجة لا بأس بها من