للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البندقية والجمل) ، وسواء قبل الاسلام أو بعده، لم يكن عند العرب أية فكرة مجردة عن القانون، حتى التأثيرات الاغريقية لم تنجح فى ادخاله فى العلوم الاسلامية، وبدلا من قانون أعلى للكون، فان المسلمين يعتقدون فى ارادة الله كحاكم للكون معبرا عنها بما يوحى من أوامر.

تستمد مكانة القانون والفكرة المجردة للصواب والخطأ الى حد ما من مفهوم الشرف، شرف القبيلة أولا ثم شرف الفرد، فكرم الضيافة وحفظ الأمانة كانا دليلين على وضع اجتماعى جدير بالاحترام، بينما كان كل من البخل والجبن شيئا مشينا، وكان القيم والمسجل للشرف هو الرأى العام، ولهذا الرأى العام الذى كان يتكون من الشعراء وينعكس فيما يقولون قوة معينة، وكان المسئولون يتضاءلون أمام الأعمال التى قد تجلب لهم الخزى أو لقبيلتهم، وتحتوى الأشعار القديمة على قدر كبير من المدائح لفضائل قبيلة وحسناتها، وهجاء لرذائل قبائل أخرى وأخطائها.

ولقد لعبت المروءة كمثل أعلى دورا هاما فى حياة العرب، فقد كانوا يحترمون الذين استطاعوا تحقيقه الى درجة ما، والعائلات التى كان هذا الخلق من عادتها، وكانت السلطة تتوقف الى حد كبير على مدى الاحترام الذى يحظى به الرجل، وكان هذا بدوره يتوقف على صفاته الشخصية، أو بمعنى اخر درجة مروءته، ولم يكن مبدأ خلافة الابن الأكبر لوالده موجودا عند العرب لأسباب واضحة، فلو كان الابن الأكبر للزعيم لا يملك الخبرة الكافية عند وفاة والده (وكثيرا ما كان يحدث ذلك) ، فان القبيلة لا تجازف بتعريض وجودها للخطر بتوليته الزعامة، فالزعيم يجب أن يكون حكيما وذا حكم سليم على الأمور، وهذه هى الصفات التى كان يتحلى بها عادة أكثر الرجال احتراما فى العائلة القائدة.

فى هذا الجانب من الامتياز الأخلاقى، وفى قدرتهم على قبول ما يمليه عليهم، توصل العرب الى مزيح من الأرستقراطية والمساواة، أو قاعدة الأفضل مع الاعتراف بأن أفراد القبيلة متساوون.

<<  <   >  >>