للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينما كان الايمان بالشرف وامتياز القبيلة هو محور الحياة البدوية، فقد كانت هناك خلفية فكرية لهذا الاعتقاد تستحق الملاحظة. فايمان العرب بالقضاء والقدر مشهور، ولكن يبدو أنه ايمان محدود، فانهم لا يعتقدون أن جميع أعمال الانسان مقدورة عليه وانما فقط بعض أمور حياته. ولقد ذكرت فى موضع اخر أننا نجد فى بعض الأحاديث المعترف بها أفكارا جاهلية فى ثوب اسلامى، وبصفة خاصة الأمور التى كانت تنسب الى الدهر أو القدر أصبحت تنسب الى الله بشكل مباشر أو غير مباشر.

فاذا كان الأمر كذلك، فان الأمور الأربعة التى تنحصر داخلها الحياة الانسانية فى حدود ضيقة بالقضاء والقدر هى: الرزق والأجل وجنس الطفل وسعادته أو شقاؤه، ولم يكن ذلك دينا، فان القدر لم يكن معبودا، بل كان نوعا من العلم لأنه كان أساسا اقرارا بحقائق، ففى ظروف المعيشة فى الصحراء، تكون الأمور التى ذكرناها وراء قدرة عقل الانسان وحكمته، فالرزق غير مستقر الى درجة كبيرة، فربما تمتعت قبيلة بمطر غزير ومرعى خصيب، بينما تحرم قبيلة مجاورة من كليهما، والأمل فى الحياة قليل، اذ غالبا ما يأتى الموت فجأة وعلى غير توقع نتيجة صدام يحدث بالصدفة، وحتى فى أيامنا، فاننا لا نستطيع بكل ما أوتينا من علم أن نتنبأ بجنس الجنين فضلا عن أن نتحكم فيه. «وكذلك فان التقلبات الحادة فى الثروة أمر معتاد فى الصحراء، حتى ان خبرة العمل عند البدوى ليس فيها شىء غير متوقع» *.

وهكذا كان تحقيق المثل الأعلى للمروءة، بالصورة التى كان عليها، فى اطار ثابت، فمن المحتمل أن جريان دم نبيل فى عروق أحدهم كان


* كتب المؤلف هذا الكلام قبل عام ١٩٥٣ وهو عام اصدار أول طبعة من هذا الكتاب، ولكن بعد ابتكار أجهزة الموجات فوق الصوتية فقد أمكن معرفة جنس الجنين بدرجة لا بأس بها من الدقة وذلك بعد أن يكون جنس الجنين قد ظهر بالفعل، أما علم الله فيعلم جنس الجنين قبل أن يخلق فى الأشهر الأولى للحمل- (المترجم) .

<<  <   >  >>