للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكثر عبارة عند المؤلفين وهي في مثل هذا الراوي ونحوه يقولون: أدركته غفلة الصالحين، نعم الصالحون غافلون عما حرم الله عليهم، غافلون ما لا يليق بهم من الفضول، لكن ما ينفعهم لم يغفلوا عنه، بل هم أشد الناس نباهة، وأشد الناس حرصاً على ما ينفعهم؛ لأن الغفلة في أصلها مذمومة، وكونها تنسب للصالحين يستدل به على أن أهل الصلاح كلهم لديهم غفلة، نعم لديهم غفلة عما لا يليق بهم، عما لا يجدر بهم، ولا يحسن بهم، عما حرم الله عليهم، كما قال حسان:

حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

المحصنات الغافلات عن البحث والنظر إلى الرجال والتطلع إليهم هذا يمدح به، لكن أصل الغفلة مذمومة؛ لأن الغفلة إن كانت عما ينفع فهي مذمومة، وإن كانت عما يضر فهي ممدوحة، لكن لا ينسب للصالحين الغفلة بإطلاق، أدركته غفلة الصالحين إلا إذا كان المراد بها عما يضرهم، لكن إذا كانت الغفلة عما يضرهم ولا يليق بهم فهذه صفة مدح، وهي إنما تساق على جهة التنقص، أدركته غفلة الصالحين في مثل هذا الحال الذي غفل فيها عما يطلب منه من متابعة الطلب.

"عن القاسم بن غنام" البياضي المدني، صدوق مضطرب الحديث، يعني ليس له من الحديث إلا القليل جداً وفيه اضطراب كبير، فكونه يستحق الوصف بصدوق إن كان من جهة العدالة فقد وصف العمري هذا بأنه صدوق على ما سيأتي في كلام الترمذي، وإن كان من جهة الضبط فلا؛ لأنه حديث واحد أو اثنين أو مجموعة أحاديث ومضطربة، منها هذا الحديث الذي معنا فيه اضطراب، فلا يستحق الوصف بصدوق الذي من أجله يحسن حديثه؛ لأن الصدوق بهذا اللفظ اختلف فيه هل هو لفظ تعديل أو لا يقتضي التعديل؟ فمنهم من يقول: إن هذا اللفظ بصيغة المبالغة فعول تعديل، وحديثه مقبول، حديثه حسن، وهذا الذي اعتمده أكثر أهل العلم، ويجعلونها في مراتب التعديل بعد ثقة.