هؤلاء تساهلوا في اشتراط الصحيح، في شروط الصحيح، وتساهلوا أيضاً في التطبيق، دون هذا الكتب السنن، وهي مظان الحديث الصحيح، كالصحاح المذكورة ففيها الصحيح كثير، وهي أيضاً من مظان الحسن، وفيها من الحسن الشيء الكثير، وفيها أحاديث ضعيفة، وفي كتابنا -كتاب الترمذي- هذا شيء كثير مما حكم أهل العلم بضعفه، والترمذي على وجه الخصوص من بين أصحاب السنن رمي بالتساهل، ما رمي ابن ماجه بالتساهل مثل ما رمي الترمذي، لماذا؟ لأن ابن ماجه لا ينص على درجة الحديث، ما يقول: هذا حديث صحيح وفيه ما فيه، ابن ماجه في الضعيف أكثر من الترمذي، لكن يبقى أنه ما يصحح، الترمذي ينص على الصحة مع أن الخبر فيه ضعف، ولذا رمي بالتساهل، خرج لكثير بن عبد الله وصحح له، وعامة أهل العلم على تضعيفه، وصحح أحاديث فيها انقطاع، وفي رواتها من رمي بشيء من التضعيف، فهو من هذه الحيثية متساهل، ونص على تساهله الحافظ الذهبي وغيره، وبعض أهل العلم دافع عنه، واشترط شروطاً طبقها في كتابه وهذا منهجه وهذا اصطلاحه ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن ما معنى رمي الترمذي بالتساهل؟ رمي الترمذي بالتساهل لأنه حكم على أحاديث بالصحة وهي لا تصل إلى درجة الصحيح وهذا التساهل، مثل ما رمي ابن حبان والحاكم وابن خزيمة، ولا يعني هذا قدح في الإمام كلا، الترمذي إمام من أئمة المسلمين، ولا يطعن فيه إلا من في قلبه شيء، إمام متفق على إمامته وجلالته، وأما ما يذكر وينقل عن ابن حزم أنه جهله وقال: من محمد بن عيسى بن سورة أنه جهله؟ فهذا قدح في ابن حزم لا في الترمذي، هذا قصور أو تقصير من ابن حزم، وهذا لا يضير الإمام الترمذي، فهو إمام متفق على إمامته وجلالته، ولا يعني أنه إذا اشترط شرطاً وطبقه في كتابه أنه يطعن فيه، أبداً، بل المسألة مسألة علم والعلم دين، العلم دين، يعني لو وقع الخطأ ينبه عليه ممن قاله كائناً من كان، لكن إذا كان الشخص خطأه يسير بالنسبة إلى ما عنده من صواب، وعرف منه نصر الدين، فمثل هذا يعتذر عنه، وأما إذا عرف عنه بخلاف ذلك فيبين خطأه ولا ينال من شخصه ولا من عرضه، اللهم إلا بقدر ما يحفظ الدين من شره وضرره.