للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد -هو ابن السري- قال: حدثنا أبو معاوية" وهو محمد بن خازم الضرير "عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" يقول ابن حجر: "اعلم أنه لم يقع مجموعاً بين الثلاثة الخوف والمطر والسفر في شيء من كتب الحديث" إلا أنه يفهم من الرواية التي معنا أن فيها جمعاً بين الثلاثة، فقوله: "بالمدينة" يدل على أن الجمع لا للسفر، وقوله: "من غير خوف ولا مطر" يكون بذلك اجتمع الثلاثة، من غير سفر لأنه بالمدينة، من غير خوف ولا مطر للتنصيص عليهما، علماً بأنه جاء في بعض الروايات: "من غير خوف ولا سفر" وحقيقةً رواية: "ولا سفر" قد يكون ذكرها من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا لا داعي لذكرها؛ لأن كونه بالمدينة يدل على أنه غير مسافر.

"فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ " لماذا جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عدم هذه الأعذار؟ والأصل أن الصلاة مؤقتة، مفروضة في أوقات لها أوائل وأواخر، الأوقات مشدد في مراعاتها فكيف يجمع؟ قال ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" لئلا يقع الحرج من أمته؛ لأن من الأمة من هو صاحب تحري، وحرص على إبراء ذمته، فقد يمسه الضر ولا يجمع، وقد يضطر إلى الجمع فيقع في نفسه من الحسرة ما يقع، لكن إذا سمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع من غير هذه الأعذار، وأراد أن لا يحرج أمته أن لا يقع في نفس هذا المتحري المتثبت الحريص على إبراء ذمته شيء من الحسرة، إذا احتاج إلى الجمع لعذر، فنفي الحرج يدل على أن هذا الجمع لوجود حرج، يعني ليس جمعاً غير مبرر، ليس له عذر بالكلية، لا، له عذر لكن غير الأعذار المذكورة، له عذر ولولا هذا الجمع لوقع في الحرج، فدل على أن هناك عذراً غير مصرح به.