للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في غيم ما ترى الشمس صلوا الظهر لما انكشف الغيم رأوا أن وقت العصر قد دخل فصلوا العصر بعد صلاة الظهر مباشرة بسبب الغيم، قال: هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فإنه لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، لكن لو قيل بمثله في المغرب والعشاء في غيم، أخروا صلاة المغرب هذا على سبيل التنزل، فلما انكشف الغيم بان أن الشفق قد غاب، صلوا العشاء، هذا الاحتمال أدنى من حيلولة الغيم دون الشمس من احتمال حيلولة الغيم دون الشفق، لماذا؟ لأن الغيم مهما كثف فإنه لا يجعل النهار مثل الليل، نعم قد يغيب الشمس، ويختلط وقت الظهر مع وقت العصر، لكن لا يمكن أن يختلط بسبب الغيم وقت العصر عن وقت المغرب.

قال: ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس أنه لما صلى العصر جلس يتكلم في مسائل من العلم حتى غابت الشمس، حتى غاب الشفق وهو لم يصلِ المغرب فأورد الحديث مستدلاً به؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل.

ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه فيما في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة له.

طيب بعذر المرض، يعني إذا تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بعذر المرض فهل الجماعة الذين صلوا خلفه كلهم مرضى؟ نعم؟ ما يلزم، إذاً هذا الجمع أيضاً ضعيف.

وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره.