للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد رد النووي على الترمذي في شرح مسلم فقال: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، يقول: بينا علته في الكتاب، في العلل يقول: بينا علته في الكتاب يعني الجامع، وعلته النسخ، ولذا في كتب المصطلح يقولون: إن الترمذي سمى النسخ علة، في هذا الموضع سمى النسخ علة، ولا شك أنه وإن كان ليس بعلة بالنسبة لثبوت الخبر بل هو علة بالنسبة للعمل به، الخبر صحيح ثابت، المنسوخ صحيح لكن العلة منعت من العمل به، ولم تمنع من ثبوته.

يقول: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، دل الإجماع على نسخه، هذا الإجماع الذي ذكره النووي في شرح مسلم متعقب، بل يرى بعضهم أنه محكم، وأن المدمن حده القتل، المدمن يقتل، مدمن الخمر بهذا الحديث، وعمل به بعض العلماء، والجمهور على عدم العمل به؛ لأنه منسوخ.

وشيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه ليس بمنسوخ وليس بحد، وإنما هو من باب التعزير، فللإمام أن يقتل المدمن إذا رأى أن الحد لم يردع شارب الخمر، كما فعل عمر -رضي الله عنه-، كان الحد أربعين، فزاده إلى ثمانين من باب التعزير، ويختلفون في الحد هل هو الثمانين أو الأربعين وزيادة تعزير؟ وكل هذا يتبع انتشار هذه الجريمة وهذه المعصية، وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب في مجتمع ومع ... أو قلتها، يعني إذا كان الشراب قليل، أو الشارب شرب مرة أو مرتين أو هفوة أو زلة أو زلتين، تختلف معاملته عما إذا كان مدمناً، أو كان هذا المنكر شائع في بلد من البلدان، والحد الأصلي لا يمنع من ارتكابه، فللإمام أن يعزر بما هو فوق ذلك، كما فعل عمر -رضي الله عنه-.

قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين، وهو ضعيف، لماذا؟ لأن المطر منصوص على نفيه، هو ضعيف بالرواية الأخرى: "من غير خوف ولا مطر" ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه بالنسبة للمغرب والعشاء.