أُذن بالكتابة وأجمع الناس عليها والنتيجة؟ أن ضعف الحفظ، وهذه نتيجة حتمية؛ لأن الذي يعتمد على شيء يهتم به ويتعاهده لئلا ينساه، فالناس لما كان اعتمادهم على الحفظ كانت الحوافظ أقوى ولا بديل لها، لكن لما أذن بالكتابة واعتمد الناس عليها، وأجمعوا عليها، وأطبقوا عليها ضعفت الحافظة؛ لأنه وجد البديل، وجد البديل، وهذا يدركه كل إنسان، كل إنسان يدرك هذا، على سبيل المثال الأرقام التي يعنى بها الناس ويحتاجونها كانوا يحفظونها، ثم بعد ذلك من كتب الرقم في دليله نسيه، ثم بعد ذلك جاء ما هو أشد من ذلك، صاروا يخزنون الأرقام بالأسماء ويقسم بعضهم أنه لا يعرف رقم أمه؛ لأنه اعتمد على ها التخزين، حتى التخزين لا يخرج فيه الرقم ولا يراه، يضغط رقم مفرد فيتصل على والدته من دون أن يحفظ، وهذا لا شك له أثر على الحفظ، ونريد أن نخلص إلى فائدة وهي أن الإنسان يعتمد على حفظه بالدرجة الأولى، ولا مانع أن يستفيد من كتابه ويدون معلوماته، لكن لا يعتمد على الكتاب، ولا يعتمد على الكتابة، ويمثل أهل العلم من اعتمد على حفظه ومن اعتمد على كتابه بمن زاده التمر والبر، فالذي زاده التمر يأكل منه متى شاء، لا يحتاج إلى طبخ ولا يحتاج إلى طحن ولا يحتاج إلى خَبز، ولا يحتاج إلى شيء أبداً، مد يدك وكل، بينما من زاده البر أو غيره مما يحتاج إلى طبخ مثل هذا يحتاج إلى أن تنزل، تحتاج إلى أن توقد النار، تحتاج إلى أن تنقي وتطحن، ثم تخبز ثم تطبخ ثم تأكل، هذا ما يثمل به لما في الحفظ وما في الأوراق.