أهل العلم يقسمون الفقه أو الفقيه إلى قسمين: فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، الفقيه بالفعل الذي فقهه في حافظته بمسائله، بفروعها، بأدلتها، وأما الفقيه بالقوة القريبة من الفعل ما يحفظ مسائل كثيرة وإنما العلم مدون عنده في كتابه، ويستطيع الرجوع إليه في أقرب وقت وأقصر مدة من مظانه، بحيث لا يترك منها شيئاً، وشتان بين شخص إذا سئل عن مسألة أجاب عنها فوراً وبين من يقول: حتى أراجع، حتى أراجع، فالحفظ الحفظ، وهذا أمر لا يختلف فيه، وأما ما يشاع ويذاع على ألسنة بعض من ينتسب إلى التربية أن الحفظ يبلد الذهن، فهذا يراد منه الصد عن تحصيل العلم الشرعي، فالعلم مبني على قال الله قال رسوله، ولا يمكن أن يؤسس على لا شيء، لا بد من الحفظ، أقول: بعد الإذن بالكتابة ضعفت الحوافظ ممن يعتمد على كتابه، وكثير منهم من الرواة الذين اعتمدوا على الكتب اختلطوا وضاعت علومهم بسبب ضياع كتبهم، والذي علمه في كتابه قد يدس فيه ما ليس منه لا سيما إذا أعاره إلى غير ثقة أو فرط في حفظه، وكم من الرواة من ضعف بسبب هذا، الكتابة لا شك أنها نعمة وحفظت لنا العلم الذي دون في الصحف، لكن الإشكال في الاعتماد عليها، استمر الناس على الكتابة، اتفقوا عليها إلى أن ظهرت المطابع، إلى أن ظهرت المطابع، الكتابة كتابة الكتاب من خلال التجربة تعادل قرأته عشر مرات، ففيها شيء من المعاناة، والمعاناة تحفر القلب وتودع فيه العلم، والعلم متين لا يستطاع ولا يدرك براحة الجسم، لما كان الناس يعانون الكتابة وينسخون ما يريدون مطالعته وقراءته وإقراءه فيه شيء من أسباب التحصيل مبذول من قبل طالبه، لما ظهرت المطابع صارت تدفع إلى الناس بالمجلدات عشرات المجلدات والمئات والآلف ومن أيسر الأمور أن يؤسس الإنسان مكتبة كبيرة، لكن ماذا عن محتويات هذه المكتبة؟ وماذا عما في بطون هذه الكتب بالنسبة لطالب العلم؟ لما ظهرت المطابع أفتى علماء الأزهر بعدم جواز طبع الكتب الشرعية، أذنوا في كتب اللغة والتأريخ والأدب، لكن الكتب الشرعية توقفوا فيها، لماذا؟ لأنهم يعرفون الأثر المترتب عليها، وقد وقع ما خشوه وخافوا منه، فصار الطالب -طالب العلم- يملك الألوف من الكتب لكنه