وكونه لا على التحديد، يعني على التقريب لو زاد أو نقص قليلاً أو زاد قليل لا بأس، وهذا هو الراجح المعول عليه؛ لأنه ما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يكيل الماء، ولا عرف عن سلف هذه الأمة أنهم يكيلونه، إنما المسألة مسألة تقدير وتحديد، نعم تقدير وتقريب.
وقد جاء من حديث عائشة أنها كانت تغتسل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، والفرق وهو ثلاثة آصع، يغتسلون من هذا الإناء، ويمكن حمله على حديث الباب إنهما اثنان فيحتاجان إلى صاعين ويغتسلان من، من هذا الإناء، من هذا الإناء، وقد لا يستوعبانه، وقد لا يستوعبانه فيتفق مع حديث الباب.
وعلى كل حال المسألة ما عرف من هديه -عليه الصلاة والسلام- ولا من هدي صحابته الكرام أنهم يكيلون الماء للوضوء، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون، إنما فيه حث على الاقتصاد، حث على الاقتصاد بالماء، ويأتي في الباب الذي بعده باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء، وبعض الناس يفتح الماء على أعلى ما يمكن ثم يتوضأ ويترك الماء ينساب ويضيع ويهدر من غير حاجة، ولا شك أن هذا لا يجوز، لا يجوز، نعم الماء موجود ومتيسر ومتوفر، وكان الناس يجلبونه من بعيد بالأواني على رؤوسهم، مما يضطرهم إلى الاقتصاد، أما الآن فموجود تفتح الصنبور وينهال عليك الماء وأنت لا تحسب له أي حساب، ولا تقدر الخسائر التي تنفق عليه، ولا تحسب حساب أنه في يوم من الأيام تطلبه فلا تجده، أحياناً قد تكون الحاجة داعية إلى شيء من هذا الإهدار، قد تدعو الحاجة إلى ذلك.
في الشتاء إذا فتح السخان الماء الذي ينزل من السخان الذي في المواصير بارد، وقد يكون الوضوء به مؤذي، فيحتاج إلى أن يترك هذا الماء ينساب حتى يأتي الساخن الذي يتوضأ به، فمثل هذا قد تكون الحاجة داعية إلى ذلك، لكن لو حفظ في إناء أو جعل هذا الماء البارد ينزل في إناء ثم يتبعه الحار شديد الحرارة ثم يختلط هذا بهذه فلا يضيع من الماء شيء، هذا لا شك أنه أولى، لكن الاغتسال بعض الناس يقول: كيف أغتسل من إناء وعندي الدش؟ ما يحتاج إلى أن أجمع هذا الماء وذاك الماء وأخلطهما ثم أتناول من الإناء الأمر أهون من ذلك.