لا شك أن المعصية في السر أخف منها في العلن؛ لأن العلن يدل على الاستخفاف بأمر الله -جل وعلا-، أما السر فقد يكون هناك داعياً وهناك دافع قوي عنده ويستحي لذلك من الناس، فهذا معافى في الجملة، وهو أخف بكثير من المجاهر، أما الذي إذا خلى بمحارم الله انتهكها فهذا الذي يظهر للناس التقوى، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها، فرق بين شخص تظهر عليه علامات الفسق لكنه لا يجاهر بفسقه، ولا يتهم بتقوى، ومن الناس من يتهم بأنه أزهد الناس لكنه إذا خلى انتهك المحارم، يعني يظهر للناس أنه تقي صالح، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها هذا -نسأل الله العافية- أمره خطير، وهذا نظير من أبدى للناس أنه يصوم وهو في الحقيقة ليس بصائم، وجاء ذمه في الحديث:((فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) إذا أظهر للناس أن الهجرة لطلب العلم لا للدنيا ولا للزواج، وهو في الحقيقة بحث عن زوجة فلم يجد، فقال: نهاجر إلى البلد الثاني، ولا نظهر للناس أننا هاجرنا من أجل الزوجة، وإنما من أجل العلم، فهذا يلام، ومثله -هذا مثال يكاد يكون مطابق لما نحن فيه- يعني لو وجد إنسان في كل يوم اثنين إذا بقي على الأذان نصف ساعة أذان المغرب خرج من بيته ومعه القهوة والشاي وفك السماط في المسجد وانتظر الأذان وهو ما صام، وكل من دخل قال له: تفضل افطر، وهو ما صام، ثم بعد ذلك لما أذن المغرب بدأ يأكل بسم الله، ويأكل من التمر والماء، يشرب من الماء والقهوة، هذا يظهر للناس أنه صائم، وإلا فأصل المسألة ما فيها إشكال، أكل مباح في مكان مباح، في المسجد ما في إشكال، لكن لو أكل الظهر ما يضر، ما يقال: إنه يظهر للناس أنه صائم، فإذا كان يظهر للناس أنه صائم وهو في الحقيقة ليس بصائم هذا الذي يذم، أما مجرد الأكل في مثل هذا المكان لا شيء فيه، فهذا الذي يظهر للناس التقوى بحيث يتفق الناس على الثناء عليه بأنه رجل صالح، ثم إذا خلى بمحارم الله انتهكها، هذا الذي يرد فيه الذم.