وأوجبه الجمهور بناءً على أن اللمس في الآية هو باليد، وضعفوا حديث الباب، واشترط الحنابلة والمالكية على ما ذكرنا أن يكون اللمس بشهوة ولم يشترط ذلك الشافعية.
في بداية المجتهد لابن رشد وهو كتاب في فقه الخلاف متين، يعني يبين منشأ الخلاف عند أهل العلم، يستفيد منه طالب العلم على أوهام في نسبته المذاهب أحياناً، لكنه كتاب جيد في الجملة.
يقول ابن رشد في بداية المجتهد: سبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اللمس في كلام العرب، فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى:{أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(٤٣) سورة النساء] وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد، ثم قال: وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد، وينطلق مجازاً على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز؛ لأنه لا يعمل بالمجاز ... ، أو المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يمكن أن يعمل به كالتأويل إلا لدليل يصرفه عن إرادة الأصل الذي هو الحقيقة، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا: إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة.
يقول: والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريباً من السواء أنه أظهر عندي في الجماع، وإن كان مجازاً لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(٤٩) سورة الأحزاب] نعم وهذا المراد به الجماع اتفاقاً، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقديم فيها ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر، يريد ابن رشد بالآثار هنا حديث عائشة في القبلة.