حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح، هذه أفعل تفضيل، وإذا قلنا: إنها على بابها قلنا: إن الحديثين صحيحان، حديث مجاهد وحديث محمد بن فضيل عن الأعمش، قلنا: هما صحيحان؛ لأن مقتضى أفعل التفضيل أن يشترك اثنان في وصف يزيد أحدهما على الآخر في هذا الوصف، إذا قلت: زيد أغنى من عمرو هل تفهم من هذا أن عمر فقير أو غني لكن زيد أكثر منه؟ في هذا وصف، هذا الأصل في أفعل التفضيل، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، بل لا ينظرون إلى الوصف أحياناً، وإنما ينظرون إلى مجرد الرجحان، رجحان طرف على آخر، هل يلزم من قول البخاري: حديث الأعمش عن مجاهد أصح هل يلزم منه صحة حديث الأعمش عن مجاهد؟ يعني مقتضى الصيغة نعم، كما أنه يلزم من مقتضى الصيغة أن يكون الحديث الأول حديث محمد بن فضيل صحيح أيضاً، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، ولا يلزم منه صحة الاثنين، فضلاً عن أن يكون أحدهما مبالغاً في تصحيحه، مفضلاً على غيره، فإذا قالوا: حديث صلاة التسابيح أصح من حديث صلاة الرغائب هل يلزم من هذا صحة الحديثين؟ لا يلزم، لماذا؟ لأنهما ضعيفان باتفاق، وأهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، لو قيل: حديث جبريل الوارد عن عمر في صحيح مسلم أضعف من حديث جبريل حينما جاء يعلم الناس الدين المروي من طريق أبي هريرة، أضعف، هل يقتضي ذلك ضعف الحديث حديث عمر أو ضعف حديث أبي هريرة؟ لا، كلاهما في الصحيح، لكن هذا أرجح باعتباره متفق عليه حديث أبي هريرة وحديث عمر من أفراد مسلم، وإذا قالوا: ابن لهيعة مثلاً أوثق من الإفريقي هل يعني أنهما ثقتان؟ لا، كلاهما ضعيف، لكن ابن لهيعة أمثل منه وإن كان ضعيفاً، وإذا قيل: نافع أضعف من سالم هل يقتضي هذا أن نافعاً أو سالماً ضعيفان؟ أبداً، كلا، كلاهما من أعلى الدرجات في الحفظ والضبط والإتقان، هذا يبين أن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فلا يعني أن الإمام البخاري يصحح الخبر الثاني ولا يصحح الخبر الأول، لا يلزم منه تصحيح ولا تضعيف، وإنما يلزم منه تقوية أحدهما على الآخر.