((وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق)) يعني يغيب الشفق الأحمر ((وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل)) ومضى الكلام في آخر وقت العشاء، وأنه على حديث إمامة جبريل ينتهي بانتهاء ثلث الليل، فإنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، وقال: الوقت ما بين هذين الوقتين، فدل على أنها لا تؤخر، وفي هذا الحديث كما في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم:((إلى منتصف الليل الأوسط)) فوقتها يمتد إلى نصف الليل، وبهذا قال جمع من أهل العلم، والأحاديث صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو يمكن من أصح ما ثبت في المواقيت، وفيه أنه ينتهي بانتهاء نصف الليل، وإن كان الأكثر من أهل العلم يرون أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، ذكرنا هذا ودليله بالأمس، ودليله حديث عام وهو مخصوص بصلاة الصبح ((ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى)) أو ((حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن العشاء تمتد إلى طلوع الفجر، لكن هذا الحديث مخصوص بصلاة الفجر، فإنها تنتهي بطلوع الشمس بالإجماع، ولا يمتد وقتها إلى مجيء وقت صلاة الظهر.
((وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر)) يبرق الفجر، يطلع الفجر والمراد به الصادق الذي ينتشر في الأفق عرضاً يمنياً وشمالاً، وليس المراد به الأول الكاذب على ما بيناه بالأمس.
((وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس)) وهذا محل إجماع ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ومفهومه: أن من لم يدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإن صلاة الصبح قد فات وقتها، وهذا محل إجماع.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" مخرج في صحيح مسلم، وذكرنا جملاً منه في درس الأمس، وفي درس اليوم، أخرجه مسلم، فهو من أصح ما ورد في الباب، ومن أوضح ما يروى في المواقيت.
"قال أبو عيسى: وسمعت محمداً" يريد محمد بن إسماعيل البخاري، كثيراً ما يعول عليه في الكلام على الرواة، وفي تعليل الأحاديث "وسمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد" الآتي بعد هذا مباشرة "في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل".