السيوطي وهو متأخر في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر يقول: إنه يحفظ أكثر من مائتي ألف حديث، وأنه لو وجد أكثر من ذلك لحفظه، هذا وهو متأخر، ويوجد أيضاً في المتأخرين في وقتنا من يحفظ الألوف من الأحاديث، لكن مع ذلك هل يساوى هؤلاء بمثل حفظ الإمام أحمد؟ الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث، ومع ذلكم الإمام أحمد خفي عليه من الحديث الشيء الكثير، بدليل أنه أفتى بأقوال الصحابة في مسائل فيها أحاديث خفيت عليه، وبدليل أنه اجتهد في مسائل فيها نصوص، ولم يقل أحد أن هذا الاجتهاد صحيح؛ لأن النص لا يعرفه أحمد، بل قالوا: العبرة بالنص، وقد يخفى على الكبير ما يكون لدى الصغير، وقد خفي على أبي بكر أحاديث وجدت عند بعض صغار الصحابة، وكذلك على عمر، وحفظ عبد الله بن عمرو ما لم يحفظه أبو هريرة وإن كان أحفظ منه وهكذا، الدين لا يمكن أن يحيط به شخص، القرآن نعم قد يحيط بحروفه خلق كما هو الحاصل منذ نزوله إلى يومنا هذا؛ لأنه محصور بين الدفتين، أما السنة فهي منتشرة، وأصغر الكتب الأصلية من كتب السنة بحجم القرآن أو أكثر، مع أن حفظ القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(١٧) سورة القمر] بينما حفظ السنة ليس تيسيره كتيسير حفظ القرآن، والحديث الواحد يروى من مائة طريق، وفي بعض الطرق ما يختلف في لفظه عما في بعض الطرق الأخرى فكيف يحاط بهذه المئات الألوف من الأحاديث من قبل شخص واحد؟! والناس يتفاوتون في حفظهم منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن لا يمكن أن يدعى لشخص أنه يحفظ السنة كلها.