للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول، وترفعان العمل، لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان منه، يهون بهما الحساب، ويمضي بهما على الصراط؛ جعلنا الله وإياكم من المتقين.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي من اكتفى بها كفته, ومن اجتنب بها وقته, كافيةً غير خاذلةٍ, واقيةً غير مخلةٍ؛ هي الزاد, وإليها المعاد, زادٌ مبلغٌ, ومعادٌ منجحٌ, دعا إليها أسمع داعٍ, ووعاها خير واعٍ؛ فأعذر داعيها, وفاز واعيها؛ عباد الله! إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه, وألزمت قلوبهم مخافته؛ حتى أسهرت ليلهم, وأظمأت هواجرهم؛ فأخذوا الراحة بالنصب, والري بالظمإ, وبادروا العمل, وخافوا بغتة الأجل؛ فانكمشوا في مهلٍ, وأسرعوا في طلبٍ حتى أفادوا ذخيرةً, وأطابوا سريرةً؛ ليوم الرحلة, وحين الحاجة؛ عباد الله! إن الدنيا دار فناءٍ وعناءٍ, وغيرٍ وعبرٍ؛ فمن الفناء أن الدهر موترٌ قوسه, لا تخطئ سهامه, ولا تشوي جراحه, يرمي الحي بالموت, والصحيح بالعطب؛ شاربٌ لا ينقع, وآكلٌ لا يشبع؛ ومن العناء أن المرء يبني ما لا يسكن, ويجمع ما لا يأكل؛ ثم يخرج إلى الله لا مالاً حمل, ولا بناءً نقل؛ ومن غيرها أنك تلقى المرحوم مغبوطاً, والمغبوط مرحوماً, وليس ذلك إلا نعيماً رحل, وبؤساً نزل؛ ومن غيرها أن المرء يشرف على أمله, فيقطعه أجله, فلا أملٌ يدرك, ولا مؤملٌ يترك, سبحان الله ما أغر سرورها, وأظمأ ريها, وأضحى فيئها, فكأن الذي كان من الدنيا لم يكن, وكأن الذي هو فيها كائن قد باد؛ لا جاءٍ يرد

<<  <   >  >>