للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنَّ جرأة أبي هريرة في سؤال الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، أتاحت له أنْ يعرف كثيراً مِمَّا لم يعرفه أصحابه، فكان لا يتأخَّرُ عن أنْ يسأله عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره لا يفعل ذلك. قال أُبَيْ بن كعب: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَرِيئاً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ نسَأَلُهُ عَنْهَا» (١). كما كان يسأل أصحابه الذين سبقوه إلى الإسلام.

فكان لا يتأخر عن طلب العلم، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعد وفاته، وهو الذي يُرْوَى عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (٢). وقد رأينا أبا هريرة يحب الخير ويعمل من أجله، فما أظنه عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها.

ونراه بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجالس أصحابه يسألهم ويسألونه، حتى إنه كان يأتي إلى كل من يظن عنده بعض العلم، فقد جَاءَ إِلَى كَعْبٍ يَسْأَلُ عَنْهُ. وَكَعْبٌ فِي الْقَوْمِ. فَقَالَ كَعْبٌ: «مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي». فَقَالَ كَعْبٌ: «أَمَا إِنَّكَ لَمْ تَجِدْ طَالِبَ شَيْءٍ إِلا سَيَشْبَعُ مِنْهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ إِلا طَالِبَ عِلْمٍ أَوْ طَالِبَ دُنْيَا». فَقَالَ: «أَنْتَ كَعْبٌ؟». فَقَالَ: «نَعَمْ». فَقَالَ: «لِمِثْلِ هَذَا جِئْتُكَ» (٣).

وَلَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَعْبَ الأَحُبَارِ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، وَيَسْأَلُهُ، فَقَالَ كَعْبٌ: «مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يَقْرَأِ التَّوْرَاةَ أَعْلَمَ بِمَا فِيْهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ».

وكان أبو هريرة واسع العلم كثير الحديث، يُحَدِّثُ إخوانه وطلابه،


(١) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٥١، جـ ٢.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٨٠، جـ ٢، رقم ٧١٩٣ ورواه الشيخان.
(٣) " طبقات ابن سعد ": ٤: ٢/ ٥٧. و " سنن الدارمي ": ص ٨٦، جـ ١. وكعب تابعي عاصر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يلقه، توفي سَنَة َ ٣٢ هـ.
(٤) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٢، جـ ٢.

<<  <   >  >>