للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما حديث أبي هريرة في تأمير أبي بكر على الحج سَنَةَ براءة، فإنه جاء من طرق كثيرة لا يرقى إليها الشك، ولا يتناولها الظن، والمؤرِّخُون مجمعون على أنه كان أمير الحج ذلك العام، وأنَّ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث علياً بأول سورة براءة، ليقرأها على الناس، وقد سأل أبو بكر علياً عندما أتاه: «اسْتَعْمَلَكَ رَسُوْلُ الْلَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَىَ الْحَجِّ؟» قَالَ: «لاَ وَلَكِنْ بَعَثَنِيَ أَقْرَأُ بَرَاءُة عَلَىَ الْنَّاسِ» (١)، ويقول الإمام الشافعي: «وَبَعَثَ رَسُولُ الْلَّهِ أَبَا بَكْرٍ وَالَياً عَلَىَ الحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَحَضَرَهُ الْحَجُّ مِنْ أَهْلِ بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَشُعُوْبٍ مُّتَفَرِّقَةٍ، فَأَقَامَ لَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ رَسُوْلِ الْلَّهِ بِمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ.

وَبَعَثَ عَلَيَّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ فِي تِلْكَ الْسَّنَةِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ فِيْ مَجْمَعِهِمْ يَوْمَ الْنَّحْرِ آيَاتاً مِنْ سُوْرَةُ (بَرَاءَة)، وَنَبَذَ إِلَىَ قَوْمٍ عَلَى سَوَاءٍ وَجَعَلَ لَهُمْ مُدَداً، وَنَهَاهُمْ عَنْ أُمُوْرٍ».

ولكن المؤلف الذي اتَّبع المنهج العلمي، والذوق الفني السليم، - كما ادَّعى - أبى إلاَّ أنْ يساير أصول عقيدته، ورفض هذه الروايات، وقبل رواية الطبرسي وفيها أنه أعطى علياً أول سورة براءة «وعهد إليه بالولاية العامة على الموسم، وأمره بأنْ يُخَيِّرَ أبا بكر بين أن يسير مع ركابه أو يرجع إلى المدينة» (٣).

الأول: أنها شاذة ومنكرة لمخالفتها الروايات الصحيحة الموثوق بها.

الثاني: أنها غير مسندة فلا يقوم دليلاً؛ وكيف نحكم بصحَّتها، ونقبلها من غير أنْ نعرف الأمناء الذين نقلوها إلينا؟.

ولو فرضنا أنها صحيحة السند، ولم يذكره الكاتب، فهي مردودة من


(١) " سيرة ابن هشام ": ٤/ ٢٠١. وانظر " البخاري بشرح السندي ": ٣/ ٧٦. حج أبي بكر بالناس سَنَةَ ٩.
(٢) " الرسالة ": ص ٤١٤، رقم الفقرة: ١١٣٣ و ١١٣٤. وانظر " المنتفى من منهاج الاعتدال ": ص ٣٤٠. حيث يَرُدُّ ابن تيمية على الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، (٦٤٨ - ٧٢٦ هـ)، وينقض ما ادَّعاهُ من عدم تولية الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر إمارة الحج سَنَةَ تسع. وانظر ص ٤٩٧ و ٥٣٩ منه.
(٣) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص ١٦٢ عن " مجمع البيان ": ٣/ ٣.

<<  <   >  >>