للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث المتن، لأنها تخالف إجماع الروايات الموثوق بها، التي لم يستشهد بها المؤلف (١) ثم حاول الكاتب أنْ يدعم رأيه هذا بروايات ضعيفة تطعن في كبار الصحابة، وهي تتنافى مع المنطق السليم، ويرفضها الذوق الفني، ويردُّها المنهج العلمي، ويدحضها الواقع التاريخي بما يعارضها وينفي صّحتها. فمِمَّا استشهد به ما رواه عن ابن عباس في الصفحة [١٦٦] من كتابه قال: «قَالَ مَرَّةً: إِنِّي لأُمَاشِي عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ قَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَاسٍ مَا أَرَىَ صَاحِبَكَ إِلاَّ مَظْلُوماً، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وَالْلَّهِ لاَ يَسْبِقُنِي بِهَا. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِينَ: فَارْدُدْ إِلَيْهِ ظُلاَمَتَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي وَمَضَىَ يَهُمُّهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ وَقَفَ فَلَحِقْتُهُ؛ قَالَ: يَا ابْنَ عَبَاسٍ، مَا أَظُنُّهُمْ مَنَعَهُمْ عَنْهُ إِلاَّ أَنَّهُمْ اسْتُصْغْرُوهُ، فَقُلْتُ: وَالْلَّهِ مَا اسْتُصْغْرَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ حِينَ أَمَرَاهُ أَنْ يَأْخُذَ بَرَاءَةً مِنْ صَاحِبِكَ فَأَعْرِضْ عَنِّي وَأَسْرع». الْحَدِيْثِ (١).

إنَّ هذا الخبر مردود من وجوه ينطق بها النص نفسه، منها:

أولاً متى ماشى الخليفة الفاروق ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؟ ومتى دار بينهما هذا الحوار؟ يفهم من النص أنَّ هذا الحاديث كان في خلافة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أي بين سنة (١٣ و ٢٣) فإنْ كان خطابه هذا في أول خلافته - أي حين كان عمر ابن عباس ست عشرة سَنَةً وعُمْرُ أمير المؤمنين ثلاثاً وخمسين سَنَةً، لأنَّ عُمَرْ ولد قبل الهجرة بأربعين سَنَةً وابن عباس ولد قبلها بثلاث سنين - فهو غير معقول، ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يناقش عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ابن عباس - وهو فتى يافع في مقتبل العمر - في أمور الخلافة، وفي الأمَّة أكابر الصحابة!!

وإنْ كانت الحادثة في آخر عهد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يكون له ثلاث وستون سَنَةً ولابن عباس ست وعشرون سَنَةً، يبعد معها أنْ تجري مثل هذه


(١) انظر " مسند الإمام أحمد ": ٢/ ٢٢ رقم ٥٩٤ وصفحة ٣١٩ رقم الحديث: ١٢٨٦. و " سيرة ابن هشام " و " البخاري " و " الرسالة " المذكورين آنفاً. و " تاريخ الطبري ": ٢/ ٣٨٢.

<<  <   >  >>