والقُرَّاء والقضاة إلى البلدان، فأدُّوا الأمانة التي حملوها، كما أدى هؤلاء الأمانة في توجيه شؤون الأمَّة. فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قِلَّةِ حديثه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لانشغاله بالفتوحات لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم، وهل لأحد أنْ يلوم عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أو عبد الله بن عباس لأنهما لم يحملا لواء الفتوحات؟ فكل امرئ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له.
ثانياً: انصراف أبي هريرة إلى العلم والتعليم واعتزاله السياسة، واحتياج الناس إليه لامتداد عمره، يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدين غير صحيحة، بل ذات خطأ كبير.
ثم إنَّ الباحث يطعن عليه في هذا المجال في حَسَبِهِ ونَسَبِهِ وأمِيَّتِهِ، فهل لهذه النواحي أثر في كثرة الرواية وقلَّتها؟ لم يقل بهذا أحد.
وما رَدَدْنَا به عليه بالنسبة لمقارنته بالخلفاء الراشدين، يرد بالنسبة لمقارنته بالسيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، ونضيف أنَّ السيدة عائشة كانت تُفتي للناس في دارها، وأما أبو هريرة فقد اتَّخذ حلقة له في المسجد النبوي، كما كان أكثر احتكاكاً بالناس من السيدة أم المؤمنين بصفته رجلاً كثير الغدو والرواح. وأضيف إلى هذا أنَّ السيدة الجليلة كان جل هَمِّهَا موجَّهاً نحو نساء المؤمنين، وكان يتعذَّرُ دخول كل إنسان عليها. ومع هذا فإنَّ المؤلف النزيه لم يكفَّ لسانه عنها، بل رأى أنها أكثرت أيضاً!!؟ وهو في هذا يناقض نفسه.
أما أنه يرى حديث أبي هريرة أكثر من حديث السيدة عائشة وأم سلمة وحديث بقية أمهات المؤمنين والحَسَنَيْن وأمَّهُمَا مع حديث الخلفاء الأربعة، فقد سبق أنْ أجبتُ على ذلك، وأضيف أنَّ أم سلمة لم تكن مرجعاً للناس كالسيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وأما الحسنان فهما صغار الصحابة، وقد اشتغلا في الأمور السياسية، فبدهيٌّ أنْ تكون مروياتهما قليلة، ومثل هذا يقال في سيِّدة نساء العالمين أمُّهُمَا، التي توفيت بعد وفات رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بستة شهور.
فالأمر ليس مهولاً، يحتاج إلى تفكير أرباب العقول كما ادَّعَى؟؟ وهل يقصد بأرباب العقول النَظَّام والجاحظ!؟.