فماذا يقول المؤلف في هؤلاء؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - شعرهم؟ وماذا يقول صاحبنا في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات، من شعر الجاهلية دون الإسلام (١)؟ وماذا يقول في حفظ حبر الأمَّة عبد الله بن عباس؟ فحفظ أبي هريرة ليس بدعاً وليس غريباً وخاصة إذا عرفنا أنَّ تلك الأحاديث الـ (٥٣٧٤) مروية عنه ولم تسلم جميع طرقها. فأبو هريرة لا يتهم في حفظه وكثرة حديثه من هذا الوجه.
وإذا كان المؤلف يعجب من تحمل أبي هريرة هذه الأحاديث الكثيرة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث سنوات، فقد غاب عن ذهنه أنَّ أبا هريرة صاحب الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنوات ذات شأن عظيم، جرت فيها أحداث اجتماعية وسياسية وتشريعية هامة، وفي الواقع أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تفرَّغ تلك السنوات للدعوة والتوجيه بعد أنْ هادنته قريش، ففي السنة السابعة وما بعدها انتشرت رسله في الآفاق ووفدت إليه القبائل من جميع أطراف جزيرة العرب. وأبو هريرة في هذا كله يرافق الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويرى بعينيه، ويسمع بأذنية، ويعي بقلبه.
ثم إنَّ ما رواه لم يكن جميعه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل روى عن الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - ورواية الصحابة عن بعضهم مشهورة مقبولة لا مأخذ عليها، فإذا عرفنا هذا زال العجب العجاب الذي تصوره المؤلف.
ومن الخطأ الفاحش أنْ يقارن الخلفاء الراشدون وأبو هريرة في مجال الحفظ وكثرة الرواية. لأسباب كثيرة أهمها:
أولاً: صحيح أنَّ الصِدِّيق والفاروق وذا النورين وأبا الحسن - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - سبقوا أبا هريرة في صُحبتهم وإسلامهم، ولم يرو عنهم مثل ما روى عنه. إلاَّ أنَّ هؤلاء اهتمُّوا بأمور الدولة وسياسة الحكم، وأنفذوا العلماء