للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أساء كثيراً إلى أبي هريرة، وشتمه وكال له السِبَابَ كيلاً - أنَّ كتمان أبي هريرة لهذا الوعاء لم يكن لخوفه ألا يسمع الناس له لمهانته وضعفه فيرموه بالبعر وبالمزابل، بل لأنه أرأد أنْ يُحَدِّثَ على قدر عقولهم، وأنْ يخاطبهم بما يفهمون ويعرفون، وبذلك أوصى أمير المؤمنين عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (١).

أما قول أبي هريرة: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يَكْتُبُ»، فلا يتعارض مع حديث الوعاءين لأنَّ أبا هريرة لا يكتم العلم النافع الضروري، وما كتمه أبو هريرة لم يكن من هذا، بل كان بعض أخبار الفتن والملاحم وما سيقع للناس مِمَّا لا يتوقف عليه شيء من أصول الدين أو فروعه.

- أما استشهاد المؤلف بحديث أبي هريرة: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ الله بن عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ» وبمرويات ابن عمرو التي لا تتجاوز سبعمائة حديث - على أنَّ ابن عمرو أكثر من أبي هريرة حديثاً، وأنَّ أبا هريرة بذلك يُقِرُّ ويعترف بتقوله على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقل - فهو استشهاد في غير موضعه، بُنِيَ على تصوُّرٍ خاطئٍ، وفهم للحديث على خلاف الواقع.

إنَّ الحديث يدل على أنَّ عبد الله بن عمرو كان أكثر أخذاً للحديث من أبي هريرة، لأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يكتب. ويحتمل أنْ يكون قول أبي هريرة هذا في حياة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أنْ يدعو له بالحفظ، وكان يعيده في كل مناسبة تقع له. وإذا استبعدنا هذا الفرض فكل ما في الأمر أنَّ عبد الله بن عمرو حمل من الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من أبي هريرة إلاَّ أنه لم يتيسَّرْ له نشره لأسباب نُبَيِّنُهَا بعد قليل.

ولابن حجر رأي أُبَيِّنُهُ فيما يلي: قال: «قَوْله: (فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُب وَلاَ أَكْتُب)

هَذَا اِسْتِدْلاَل مِنْ أَبِي هُرَيْرَة عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَكْثَرِيَّة مَا عِنْد عَبْد اللَّه


(١) " فتح الباري ": ص ٢٣٥، جـ ١.

<<  <   >  >>